...
....
انهم يحاصروني، لا يتركون مجالا كافيا للتنفس .. يكرهون ألواني ... مساحة الضيق تتسع .. رغبة البكاء تفرض نفسها عليّ .. من جديد
أريد الصمت .. مزيدا من الصمت .. ثم الصمت .. ليس من السهل عليّ أن أكون مع من لا يقرأ صمتي !!
بالأمس كنت أشعر بالراحة، كنت أشعر بالفقد .. فقط لو كان هنا .. فقط لو رقصت مثلهم، طرت في الهواء، وقفت على رأسي، انحنيت بجسدي مثل الثعبان .. سرت حافية على الأسفلت الملون .. رقصت وصرخت مع الايقاع الصاخب .. الأرض كانت ملكي .. رائحة الماء العطنة والعشب المرويّ لتوه .. كل هذا كان يحتفل معي بأني أنا .. بأني هنا، ولست هنا .. ولكني على الأقل استطعت التكهن أين يسكن النصف الآخر .. منّي !!
في الصباح كنت أغني بصوت خافت ... رائق .. مجهد قليلا، الشمس تصهر ما تبقى من مشاعري الطازجة .. أقرأ عن الرومانسية .. أوقف صوت المروحة المزعج .. أستسلم للصمت .. أداعب لون طلاء أظافري في ضوء النهار .. أقرر أن غدا عطلة .. سأسهر حتى صباح اليوم التالي .. سأنام وشفتي منفرجة ... قليلا .. الصيف قادم ... ورائحة جسدي كحديقة مليئة بالأزهار .. ...
اليوم كنت راضية .. والطالب الغبي مستسلم أمامي، أشرح له لماذا صار الناس رومانسيين، لماذا صار هناك عالم داخل عقلي يتبرأ منه الواقع .. ربما كان مرتبكا قليلا، يتحاشى النظر نحوي، وأتمنى لو أصارحه أني أشفق عليك أيها الأبله ... يحاول ارضائي وأنا جامدة، أشعر بالسادية لأن لألواني ذلك التأثير عليه !!!
الأمس واليوم أنا بخير .. ولكن لماذا فجأة هكذا، يأتيني الوجع المجهول .. الهواء ينسحب مني .. من الداخل أنتحب؟!
فقط يلح على رأسي سؤال واحد: لماذا عليّ أن أكون هنا، بينما ينبت عباد الشمس بمكان آخر !!!
******
وتخبرني أختي أنها بالفعل .. ماتت
تعيد عليّ أكثر من مرة .. ماتت
أصمت .. ولكني أصرخ: لم تمت كفاكي وقاحة .. لا يمكن أن تموت
في الحقيقة، أشعر أنها تنتحر .. ببطء
لم يكن كافيا أن أسقيها بانتظام كل أسبوعين
لم يكن جيدا أن أسقيها بطريقة غير ملائمة
لم يكن عليّ تركها وحيدة
أنا أيضا غبية
أعرف أن كل من يدخل هذا البيت .. يموت
أردت ان أحدثها كثيرا .. أعقد معها صداقة حميمة
صديقتي تقول لي أنها الوحيدة التي ستعبر معي الوقت القادم
ولكني تركتها للوقت .. القاتل
لا أستطيع رعاية كائن حي
هذا ما يسيطر على مخاوفي
لا أستطيع رعاية نفسي
أرغب في السقوط
اختراق الموجة الداكنة
والاختباء بالنهاية
في الصدر الذي يعرف جيدا
كيف يمحو ثقل أنفاسي
لا أستطيع أن أكون صبارة طول الوقت
مخزون الشمس ينفد تدريجيا
الماء الشحيح يجف .. أظمأ وتتمزق شفتي
ربما هذا ما يؤلم حقا
لا أستطيع أن أكون صبارة طوال الوقت !!
واحنا كبني آدمين عبارة عن كائنات غلبانة بتخاف تقرب م الدفا، فنقوم برد فعل عكسي، ونحاول نقنع اللي قدامنا اننا مش كويسين أوي زي ما هو متخيل، وإننا أشرار ومعقدين ولو حد قرّب مننا هيتأذي أكتر ما هيفرح ويتطمن. نقنع الناس اللي بتحبنا إننا رافضينهم أو إنه شيء مضر ليهم يتعلقوا بينا بزيادة .. قال يعني خايفين عليهم يتوجعوا و يتألموا. في حين إنه احنا أصلا المشكلة، احنا اللي مرعوبين من فكرة الرفض وخايفين نكرر تجربة الألم، مع إنه إحساس مستمر بدرجات متفاوتة. خايفين الدفا يخلص فجأة بعد ما كنا قربنا واتعودنا عليه واعتبرناه شيء أساسي بديهي ومفروغ منه. فنفكر إنه الأحسن مانتعودش –عشان كل حاجة ليها نهاية مهما طالت – والأحسن يبقى فيه مسافة آمنة محايدة كل واحد بيلعب على أطرافها لكن مايحاولش يعدي حدودها ويدخل جوا، يا إما خايف يتلاشى كيانه الذاتي جواها ويصبح جزء منها ودا يجبره يتخلى عن أنانيته، يا إما خايف تلفظه وتطرده براها فيبقى معرض لدور برد مزمن مالوش أى علاج ...
في الأصل احنا اللي خايفين، وفي كل الأحوال احنا اللي خايفين، وأصلا في النهاية احنا بشر، بيتعلم علينا مليون مرة وجوانا عناكب معششة وميتين وجثث معفنة ريحتها فايحة.... الفكرة كلها، كلها بجد، تتلخص في قدرتنا على احتمال الريحة والحياة وياها ولا هنطلع نجري؟؟ .. ولو زاد على كدا إنه حد جه بارادته وشاف عنده القدرة على احتمالها معانا، وبدل ما نجرب نديله زي ما بيدينا، يتجلى الغباء البشري ونرزع الباب في وشه، وبعدين نتفنن في كره نفسنا ومانشوفناش صح في المراية، ونقتل روح المغامرة والمراهنة على إحساسنا الخالص .. بس بجد المشرحة مش ناقصة قتلة...
أنا ماقدرتش أنجح تماما أو تقريبا حتى في تحويل الكلام دا لواقع ملموس وخاص بيا، لكن من فترة لا بأس بها وأنا معاهدة نفسي إني مش هعيش تاني في الخوف، ومصممة أحافظ ع العهد دا ...
"وعارفة إحساس إنك تكونى قاعدة فى أى مكان مع أى حد وكل الهاجس اللى مسيطر عليكى “هوّ أنا هاروّح إمتى؟” .. عارفة إحساس الحنين لكيان مجهول؟ أنا عندى حنين ما بعرف لمين ♪ ♫ .. عارفة فكرة “البيت” نفسها لما تتحوّل لكيان مجهول؟ دايمًا بحس إن الناس اللى بينهم تواصل جميل هما الناس اللى واحشهم أوى نفس المكان المجهول.. مكان ممكن مايكونش موجود أصلاً بس همّا اتقابلوا فى نفس السكة وهما بيحاولوا يوصلوله.. أنا دايمًا
فى حالة حنين للبيت السيريالى ده.. دايمًا واحشنى حد أو حاجة أو مكان.. وبعدين أنتِ عارفة أصلا إن الإنسان مشكلته العويصة أنه كائن قابل للإدمان.. وأنا إدمانى مش لحاجات بتتاكل وتتشرب ويتعمل بيها دماغ.. أنا بدمن الناس والأمكنة والحاجات والعادات والأحاسيس والأفكار.. عشان كده لما الحنين بيبهت بتجيلى أعراض انسحاب عمرها ما بتكمل.. لأن الحنين عمره ما بيروح ..."
حد عارف لما يحس بحاجة إنها حتة منه؟! .. الأهم من كل دا الجملة اللي قالتها لي: "هى دي اللي هتعدّي معاكي كل الوقت الجاي" ..... أنا قلت إني بحب رضوى قبل كدا صح؟
أنا ممتلئة بالحب لرضوى !
أنا بس مش عايزة الموت يكسرنا ...
(2)
كل ما أفكر فيه
ييجي ف بالي ولد صغير واخداه في حضني،
أوقات بحس إن عندي أمومة زايدة تجاه البشر،
نفسي أطبطب على راسه وأقوله ماتخافش هانبقى كويسين
(3)
عزيزتي غادة
أرسلت إليّ فتاة لم أرها سوى مرة واحدة، لتخبرني أن ملامحي مختلفة، وأنها ترى ذلك شيئا جميلا.
وأنتِ تقولين لي الآن، أني أنثى كاملة جذابة، وتنهريني عن قول ما يقلل من قدْر تلك الأنثى، تطلبين مني أن أحب بكل طاقتي وأركن الخوف جانبا بعض الوقت.
تظنين أني لا أصدقك؟! ... أنا أنظر لنفسي في المرآة كل صباح وأعرف أني مختلفة. لكن، وأنا مضطرة للقيام وغسل الصحون في الليل البارد أفكر في أشياء أخرى. أفكر أني أريد معرفة الجانب الآخر من الحقيقة.
أريد معرفة أن هناك ولد تطرف عيناه في ارتباك كلما رآني، وأنه يتجنب الأماكن التي أوجد بها، يشيح بوجهه عني وينتظر غفلتي عنه ليعاود النظر مرة أخرى، يعاود القلق وتخيل ما يدور في رأسي بتلك اللحظة.
أريد معرفة لو كان يتبعني بعينيه إن ذهبت بعيدا، لو كان يراقب حركة يدي أثناء الحديث، حركة عيني وهى تضيق وتتسع.
أريد التأكد من أن هناك ولد، يدخل المدونة في الخفاء مثلا، يقرأها حرفا حرفا، يسهر عليها حتى آخر تدوينة، يمتلكه الفضول لمعرفة المزيد عني. ثم يخرج في صمت كما دخل، وتحيره مسألة هل أنا مرتبطة أم لا ... أحب رجلا في خيالي أم أنعم بذهن خال من كل الوساوس.
لو علم أني حزينة، أريد معرفة أنه يتمنى لو وجد طريقا لفراشي، وطوقني جيدا ومسح على رأسي ليزيل كل أثار الحزن.
لو كان يتأمل صوري ويخشى كتابة تعليق يفضحه، لو كان يتردد كثيرا قبل أن يطلب مني الخروج معه .. ثم لا يفعل. لو كان يرغب في أن يسير معي مسافات طويلة، يتحدث عن أشياء بسيطة، ويدندن معي أغنية ما.
لو كان ما يفعله كل صباح هو أن يدخل على صفحتي ويرى آخر التحديثات التي قمت بها، لو كان ينظر إلى رقمي على هاتفه طويلا، ثم يتركه في ثباته وسكونه، محاولا إقناع نفسه أني لن أرغب في رؤيته الآن.
لو أصبح يبتسم رغما عنه كلما خطرت على باله، لو حاول إختراع الفرص ليتحدث عني، لو كان يشعر برغبة لانهائية في أن يحكي ويحكي، لا يجد مواقف يسردها ولكن ليدوم فقط ذكري على لسانه.
لو استبدت به الرغبة فتمنى لو استيقظ على وجهي الناعس بجانبه، لو تمنّاني بعيوب جسدي وروحي، برائحة عرقي وشعري غير المُمشط، بأصابعي الزرقاء والتغير الحاد لمزاجي بفعل الهرمونات مرة كل شهر، بعدم إجادتي لكثير من الأمور وإفسادي البعض الآخر....
لو كان يشعر بكل ذلك الشغف نحوي، ولا يقدر على البوح به .
لأنه مثلي لا يستطيع تجنب الخوف، من أن يكون مرفوضا.
أريد أن أعرف من هو، لنتبادل ضعفنا وهشاشتنا وعدم قدرتنا على الحب بشجاعة كافية...
أريد فقط الاطمئنان أن هناك ولد بالخارج يشبهني ...
أن الله لم ينسى وضعه بالفرن بعد ما انتهى من تشكيل عجينته ونقشها....
ثم قذف بي إلى العالم وحيدة، وباردة !
غادة
قد أبدو بائسة، قد أبدو تحت تأثير حالة لا أُحسد عليها، ربما أشعر بالخجل من نفسي أيضا
أنا فقط لم أظن أنه بالشيء الكثير، عندما أرغب بوجود رجل دافيء في حياتي،
أقول له صباح الخير كل يوم دون ملل ...
الأمر أكثر تعقيدا إلى حد ما ... أليس كذلك؟