الخميس، 20 يناير 2011

وقائع ما حدث

هو ده بالظبط اللى حصل، اشتريت امبارح كورونا بالبندق، لما رجعت البيت أخدت منها والنهاردة الصبح بعد الفطار لقيت لسة فيه حتة فاضلة، أكلتها ..... بس اللى حصل انى لما جيت أرمى الغلاف لمحت تاريخ الانتاج. اكتشفت انو الصلاحية انتهت من شهرين تقريبا

سرحت شوية، افتكرت انها كانت الوحيدة من نوعها الموجودة بتلاجة المحل، القالب الوحيد الفاضل، وانى كنت مصممة أجيب اللى بالبندق مع انى بحب نوع تانى وقلبت عليها التلاجة فوقانى تحتانى وفى الآخر لقيتها واقفة واخدة ركن لوحدها

تخيلت ان بقالها سنة وشهرين مستخبية هناك فى البرد ورافضة أى ايد تتمد عليها وصابرة ومستنية، وافتكرت فى الآخر انى ماحاولتش أهتم لما لقيتها متكسرة حتت أول ما فتحتها ولا ان طعمها متغير شوية. ما انتبهتش لوحدتها وكسرتها وطعمها الغريب. كل اللى فكرت فيه انى بحب الشوكولاتة ، وانى هاكلها وهفضل سليمة ومش هيجرى لى حاجة

رجعت أبص عالورقة تانى، وبعدين سبتها على ترابيزة السفرة وقمت. طول اليوم قعدت أسأل روحى: اشمعنى نوفمبر، واشمعنى الألفين وتسعة؟

غريبة أنا صح؟؟

بس، هو ده كل اللى حصل

الأحد، 16 يناير 2011

تلك الرائحة

كوب القهوة بجانبى، صوت مداعبة لمارسيل خليفة فى أذنى. رائحة البن داعبت أنفى طيلة اليوم منذ أن استيقظت. لا أدرى من أين كانت تأتى، وأنا أسير فى الشارع أيضا، تختلط مع الجو البارد الرطب، وكأنها تنساب علىّ من بين طيات الغيوم والجو الرمادى المحلق حولى.

ربما تكونت اثر احتكاك أشعة الشمس المتوارية مع كتل السحب. الاثنين معا كونا دخانا يحمل رائحتها فانتشر فى الفضاء، وغسل روحى.

أتيت الى البيت فى المساء والشوارع تنفض عن نفسها ثوب المطر، مع أنها لم تمطر اليوم، ولكن الأرض كانت طيبة والسماء قريبة

رائحة القهوة سيطرت على كل مداخلى بالكامل وأنا أحصد الغرفة جيئة وذهابا لأقرأ ما تبقى لى من الطنطورية

وكأنها تنبعث فى وجهى من بين سطور الرواية، لم أغرق بكل كيانى مع كتاب ما منذ فترة مثلما غرقت فى بحر الطنطورة

أقرؤها وأنا واقفة جالسة نائمة فى المواصلات أو فى فواصل الراحة أثناء حضورى للدروس الجديدة التى أنتظم بها حاليا

تلبستنى وشعرت لوهلة أنى ولدت مصرية على سبيل الخطأ

أحسست أنى أيضا لاجئة، ابنة المخيم التى جاءت من البيت الريفى، حملوها قسرا من على شاطىء البحر وقذفوا بها فى جحيم مدينة رائحة الهواء فيها تنذر بحرائق كارثية قادمة لا محالة

أيقنت ان وطنى يسكن أرضا أخرى عند بيت حجرى بالقرب من شجرة ليمون أو لوز. الفارق أنى أقل حظا فلا أملك حتى مفتاحا له أزين به رقبتى كما تفعل كل إمرأة ضاع لها بيتا

أرهقتنى "رقية" وبدلتنى.

استسلمت أخيرا . طويت الرواية. عدت من المطبخ أحمل كوب القهوة الدافىء وأنا أغالب النوم. اكتفيت بمتابعة الأخبار المتلاحقة على صفحات النت. قلت قريبا سأصبح مثل "رقية التى أدمنت مشاهدة نشرات الأخبار وقراءة الجرائد فيستحيل الأمر بعد ذلك إلى شراء الجرائد وإلقائها فى القمامة دون قرائتها ودون وعى لما أفعله ودون تذكر لتلك الفعلة.

اكتفيت من سؤال نفسى بقلق ماذا سوف يحدث فى الأيام القليلة القادمة.

لا أريد سوى رائحة القهوة، قلتها فى سرى، رغبة صادقة كتلك التى أصابت درويش ورغبة أكثر الحاحا بمصاحبة دخان السجائر لها

كأنى أنفس عن رئتى ضغطا زائدا وتوترا مكتوما

كوب القهوة بين يدى، ونغمات مارسيل خليفة تأتى هادئة وأنا أحاول الالتفاف حول نفسى لتدفئتها

لا أريد سوى القهوة التى ربما للمرة الأولى أجدت صنعها فى بيتنا بعدما كنت لا أستسيغ طعمها إلا على ذلك المقهى المفضل

لا أريد سواها هى والموسيقى، لا أريد سوى فعل الموسيقى

أشعر بجسدى لا يستطيع هذه الليلة القيام بأى شىء سوى أن يجلس ليتنفس الاثنين

ولكن عقلى لا يهدأ مع مطاردة شبح الكتابة له كثيرا هذه الأيام

بدأتها مع كوب القهوة الذى كان بجانبى ومداعبة مارسيل لأذنى

وأعاود النظر إلى الطنطورية، مترددة فى استكمالها الليلة أم إرجاء ما تبقى إلى الغد

ابتسمت لها. رغم قسوة واقعها، الطنطورة سيدة ناضجة دافئة وقريبة، تنبعث منها رائحة الخبز الطازج القادم لتوه من الفرن البلدى فى الساحة الخلفية لبيتنا القديم. اختلط علىّ الأمران وتذكرت ابتسامة أبى فى أوقاته الرائقة.

الطنطورة مع غلافها الأزرق لا يمكن قرائتها إلا شتاءا فى صحبة القهوة

وشتاء هذا العام مختلف، يحمل هو أيضا رائحة غريبة وغير معتادة، على يقين أنه مازال يخبىء فى جعبته الكثير

سأندهش كثيرا الأيام القادمة، سأكبر كثيرا فى وقت قياسى، أشعر من الآن بشىء ما بداخلى يطول ويمتد، بساحة أحضرت مكنسة من سعف النخيل كتلك أيضا المعتادة بين النساء الريفيات، ساحة تتمدد داخلى أهذبها وأنظفها وأتركها خالية وربما تمتلىء غدا بأشجار كثيفة وجذور ضاربة فى العمق.

لن يمر هذا الشتاء دون أن يترك بصمته على الجميع، دون أن يقتلع جذورا اخرى ويغير مصائر، اليقين يأكلنى.

حسمت أمرى، سأكتفى بالكتابة ما تبقى من ساعات هذه الليلة، وأنام مبكرا

ما زال فى الشتاء أيضا متسعا للانتهاء من الطنطورية، وداع " رقية " سيكون صعبا. ربما لا أريد فراقها

سأتحصن بها، بدفء القهوة، وبالموسيقى الحنونة التى تربت على كتفى

سنواجه معا ما يحمله لنا شتاؤنا هذا من مصير جماعى، وما قد تحمله رياحه لى من لقاءات شخصية مؤجلة أو غير متوقعة

ولكنى أحلم بها دائما فأظن أنى أشم رائحة القهوة، وأشعر برغبة مفاجئة فى الاستماع لمارسيل

ترمى بى على الشاطىء موجة حنين مندفعة وقوية

ابتسامة حزينة، أخبئها على عجل بين صفحات الطنطورة حيث أجد بعضا من نفسى ولا أدرى كيف

فأتركها لأصنع القهوة وأستعيد ذكرياتى التى تكونت قبل أن تحدث

ذكريات لأم فقدت ولدها منذ أعمار ضعف عمرها، وقد تجده ثانية فى شتاء ما

قد تحمل لها رياحه رائحته ذات شتاء

الخميس، 13 يناير 2011

العرّافة والعطور السحرية

روحك ماشية على سكة سفر، وقلبك رايح يسكن مكان بعيد، بعد البحر بجزيرتين وتلات جبال وواديين

هيرجع تانى لما يشوف من بعيد نصيبه اللى كان قاعد مستنيه ع الكرسى المسكين الفاضى، بعد ما هو استعجل و قام مشى

رجليكى هتتعب م اللف ما بين البلدان، وايديكى هتعلب مزيكا

ريحة البحر هتفضل ملازماكى وما راح تنكتب عليكى زيارته، وعينيكى هتفضل متشعلقة بالجناحات فى السما

صوت الضحكة البعيدة عمرك ما هتعرفى تهربى منه

وصورة العيون الوحيدة عمرها ما هتفارق منامك

هتفرحى كتير وهتعيشى سعيدة، بس هتفضلى شايلة ذنب ولدك اللى ضاع منك

روحك انكتب عليها السفر فى بلدان الله لخلق الله

بس مسيرها فى يوم ترجع

هتعاود للكرسى المسكين الفاضى، ومش هتلاقى عليه غير ريحة بن، ومسحة حزن

وحيرة سؤال

الغربة كَت ليه م الأول يا حنيّن؟

الجمعة، 7 يناير 2011

استعادة

عقلها الآن أشبه بخريطة قديمة مهترئة تحمل إشارات مطموسة كانت تدل فيما مضى على كنز مفقود

تعلم أنها ستنتظر طويلا حتى تكتب شيئا ما ثانية، غير متيقنة حقا إذا ما سيكون جديدا، مميزا وأكثر نضجا، ولكنها تعرف أنه حتما سيكون مختلفا، وحين تكتب الشىء الجديد لن يحتاج منها إلى تفكير طويل أو اسهاب فى الحديث دون الوصول إلى معنى محدد، لن يحتاج إلى مزيد من المسودات والحذف والشطب وإعادة صياغة، ستكتبه كما هو، لأن حينها ستكون أكثر حساسية للمعانى والمفردات، ستنبهر بها وتصاب بالدهشة الأولى، ستلمس كل حرف وتتعرف على كل رائحة وستنظر بعين متحمسة لكل تفصيلة حولها وكأنها تختبر كل ذلك لأول مرة، فالعالم وُلد معها فقط الآن. الأخضر أخضر والأبيض أبيض وكل له مسماه دون خلط، فتستعيد نبرة الشغف بالجديد غير المستنزف، ستكتب وهى على يقين بقيمة ما تفعله فسيكون مهنتها الوحيدة، ستنظر إلى نصها النهائى نظرتها إلى أيقونة متفردة

لن تفكر فى قيم البالغين واختلافهم وخلافهم وأصواتهم العالية وتمكنهم من كلماتهم الضخمة، لن تعقد مقارنات، لن تظن أن هناك ما ينقصها بعد، ستكتفى بعالمها الصغير، ستكون قانعة للغاية بأولادها الخارجين لتوهم من رحم قلمها، لأنها لن تعرف وقتها ماذا تعنى كلمة ملل أو كلمة يأس، أو كلمة موت. فتجد متسعا أكثر عمقا لخيالها وتصادق الألوان، ستشعر بها بين يديها وتنغمس فيها حتى شعر رأسها، لن تتعلم بعد كيفية قتل روحها

ستسير بخطوات واسعة وتقطع شوطا كبيرا فى عالمها المكتوب، ستشعر احيانا أن هناك ما تركته خلفها، ولكنها لن تجد الكلمة المناسبة لتعبر بها عن هذا الإحساس فستتعلم بالتدريج أن هناك كلمة تسمى الفقد، سيزداد فضولها وتعرف أن هناك أيضا ما يسمى بالحزن، ثم اعتياد الحزن، ثم البحث المستمر عن أشياء غامضة لا تجدها أبدا ولكنها على يقين بوجودها بمكان ما، وفى لحظة ما ليست بالضرورة أشبه بالماستر سين السينمائى، ستكون عادية للغاية، ولكن لحظتها ستتذوق طعما وكأن هناك شخص ضائع منها وفجاة عثرت عليه دون وعى مسبق، دون إداركها حتى باختفائه، دائرة كهربية ستنغلق داخلها فتدرك أنها لحظة الاكتمال، وتهدأ أخيرا

ستنتظر طويلا لأن عليها قبل ذلك كله القيام بعملية نسف للذاكرة المشتركة بينها وبين العالم والبدء فى التعرف على نفسها وعليه من جديد