الثلاثاء، 30 مارس 2010

حفل صامت على جزئين

المكان كله ماكانش فيه إلا كرسى وحيد وترابيزة، ومن وراهم شباك

المكان واسع أوى والإضاءة خفيفة

تقدر تقول إننا بعد الفجر

المكان فاضى

هتسمع صوت الباب بيتفتح وهو بيدخل....يمشى لحد الترابيزة...يقعد عالكرسى ويستنى

ماعهوش ساعة

والمكان حيطانه عريانة

مش مهم عنده الوقت

هو قاعد باصص للترابيزة ومستنى

مش باين أصلا إنه مهتم يستنى

هو بس قاعد...وبيفكر إنه مش مستنى

.....................................................

هتسمع صوت الباب بيتفتح تانى

مش هتشوف مين إللى داخل

هتسمع صوت دب رجل خفيفة عالأرض ... ومش هتشوف غيره وهو قاعد عالكرسى

هتشوف خيال جسم صغير بيتحرك

وخيال ايدين بتفتح الشباك

هيعمى عينك نور الصبح وهو داخل

وهو ماعندوش فضول يستفسر عن الحركة حواليه

هو بس قاعد باصص للترابيزة وساكت

لحظة صمت

شوية صمت

شوية كتير

هيرفع عينه ويثبت نظره عالباب...يتنهد...يمكن من زهق، يمكن من حسرة

يمكن من زعل، يمكن من ملل

بس مش مهم

هو مقتنع إنه يفضل قاعد

..........................................................

هيحط ايده فى جيوبه ويطلع ورقة و قلم....

وناى....

هيركن الناى على جنب، ويكتب

هيكتب عن كل إللى حصل واللى بيحصل واللى محصلش وإللى كان عايزه يحصل

عالحيطة وراه هيتحرك الخيال من تانى

ايد بتشيل كمنجة وتسندها عالكتف

راس تميل وتسند عالكمنجة...تحضنها

وقوس بيلمس الأوتار بالإيد التانية

هتسمع الصوت، هيسمع الصوت

هيرفع عينه من عالورقة ويبطل كتابة

مش هيبص يشوف مين وراه

هو بس هيتاخد ويحط ايده على صدره ويشبط فى القميص

مش هيشوف الصوت جاى منين

عينيه بس هتدمع، وايده هتشبط أكتر فى القميص

مش هيعرف مين وراه

.................................................

المشهد هيوسع

هياخد كل زوايا المكان

وهتظهر هى قاعدة على حرف الشباك

لابسة أسود فى أسود، وبتضرب عالأوتار

هيخرج هو برة دايرة التركيز، صورته هتبان مبهمة

هتقرب شوية وتلاقى شكلها متغير

شعرها الأسود أطول، وملموم فى ضفيرة على جنب ساندة على صدرها

عيونها المتكحلة أوسع، وفيها حزن أكتر م العادى

وكل ما تبطل عزف، يرجع يكتب

وكل ما تعزف يتاخد ويبطل يكتب

وكل ما تعزف يزيد نور الصبح

يعكس خيالها عالحيطان

ويلوّن الحزن فى عيونها

وكل ما تبطل تعزف يرجع يكتب

ينسى كل إللى سمعه

مايعرفش مين إللى شايفه

.................................................

وقالك مرة ضربت جامد عالأوتار

اتخض بزيادة والقلم وقع منه

يبص عالورقة ومش عارف يكتب

يبص عالباب يمكن مش عايز يكتب

يبص عالأرض، يتفرج عالقلم ويفكر يكتب

هو قاعد مكانه، والناى مكانه

وهى لسة بتعزف

النغمة عالية، وهو مش عايز يجيب القلم

ومش عايز يحرك الناى

.....................................................

النغمة بتعلى، النغمة سريعة

والموضوع خرج من بين ايديها، والصوت نشّز منها

ماقدرش يستحمل فكرة الخروج عن النص، وقرر يحرك إيده فى الآخر

النشاز فوق احتماله

بيحط ايديه على ودنه ويغمض عينيه

وهى مستمرة فى النشاز ... مستمرة فى الحركة

بيضغط بايديه على ودانه أكتر

وهى من كتر الضغط عرقت ونَهَجِت

فلتت القوس من ايدها العرقانة

تبصله وهى لسة بتنهج، وصدرها بيعلى ويهبط

ملامحها مليانة إصرار، والحزن فى عيونها اتحول لغضب ساكن

هتنزل من عالشباك

ماسكة الكمنجة فى إيد، والإيد التانية بتطوّح الضفيرة ورا ضهرها

هتمشى ناحيته بخطوات سريعة، ثابتة و واثقة

هتقف قدامه وتوطى تجيب القلم

تحطه عالترابيزة..... وتاخد الناى

هيفتح عينيه ويشوفها واقفة قصاده

مادة إيدها بالناى

ملامحها لسة فيها إصرار

هيركز نظره على عينيها شوية

وعالناى شوية

هتفضل ساكتة شوية

هيقولوا كلام كتير وهما ساكتين

عينيه هتتلون بالرجا، وفيها كلام أكتر

وقبل ما هى تتأثر، أول ما ينطق هيقول:

مش عارف

هيقول مش هعرف

أول ما تنطق هتقول: مش معقولة كل حاجة أعملها لوحدى

.............................................................

هتفضل مادة إيدها بالناى

هيسكتوا تانى شوية

هيسكتوا أكتر، وكأن الزمن وقف بيهم

بعدها هتحط الناى مكانه عالترابيزة

هترجع بخطوة بطيئة ناحية الشباك

فى نفس الوقت

هيمد ايده ياخد القلم والورقة

يقوم ويمشى ناحية الباب

يفتحه ويخرج

هتوطى تجيب القوس الواقع عالأرض

هتطلع تانى تقعد على حرف الشباك

يرجع صوتها تانى وهى بتعزف عالأوتار

يوسع المشهد أكتر

يضمها فى الصورة مع الكرسى والترابيزة

مرسوم عالحيطة وراها خيالها.....

وخياله.....

قاعد جنبها بيشاركها العزف عالناى

السبت، 13 مارس 2010

هذا هو كل شىء

أمتلىء رغبة فى الحكى عن كل شىء وأى شىء

أسرح قليلا فى تفاصيل هذه الحجرة

أحدث نفسى: إنه لم ير يومها الجانب الآخر من هذا البيت


لا يهم البناء هذه المرة، لا يهم الترابط بين الأفكار والبحث عن لغة جديدة

المهم ما أتذكره دائما عن عدم خوفى مما أكتبه

يتصاعد صدى أفكارى

إنه حقا لم ير الجانب الآخر من هذا البيت


فى هذه الحجرة

أشيائى الصغيرة تعرفنى، وفى مكتبتى ترقد بقايا من أشلائى

فى مكتبتى إنسانة لم تدرك نفسها بعد

تعرف هدفا ولكنها لا تملك خطة

أنتشلها من الفقدان ومن خطر أنها عديمة الأهمية لأحد

أجمعها لأصنع هويتى، أو أثبتها

أقصد أشيائى الصغيرة


أربعة أرفف، أنقسم بينها دونما اتفاق

علبة هدايا صغيرة بداخلها وضعت سلسلتى الفضية

هديتى القديمة من أبى

مقرها الأخير بعد أن توقفت عن ارتدائها

بعد أن توقفت عن رؤيته


ميدالية على هيئة دب صغير، وردى اللون له جناحان

وردة ذابلة مازالت تحتفظ برائحتها

كأس ذابل كان فيما مضى رحم زهرة قرنفل أبيض

بذرة ذابلة منشقة لنصفين وتعود لثمرة أفوكادو

كانت أكبر من ذلك، بيضاء وناعمة الملمس

ولكنها الآن سمراء ذات تعرجات وتجاعيد، ورائحتها أشهى بكثير

أصداف صغيرة متناثرة فى عشوائية أتت من البحر

وأخرى كبيرة عشّقتها الواحدة فى الأخرى

ربما صنعت فى النهاية مركبا

كتب قرأتها وأخرى أخشى الاقتراب منها

تنتشر بينها المزيد من الأصداف، و أوراق شجر صفراء

إحداهن اتخذت شكل طائر أتخيله يجلس ربما على صفحة جدول مياه هادئ

أستطيع تمييز ذيله وعنقه الطويل المحنى فى دلال


سبحة زرقاء اللون وسورة الفاتحة

ألوان الشمع المهجورة منذ زمن

مجلد يضم أعمال أحد الكتاب القدامى

تخلصت أمى منه دون أن أعلم

قرأته أول مرة بالمرحلة الإعدادية

وجدته صدفة يوما ما فى مكتبة عتيقة دون أن أنوى البحث عنه


صورة لى أريد التخلص منها

جرائد ومجلات باللغة الألمانية

أجمعها واحدة فوق الأخرى على أمل قرائتها فى يوم ما


الأعمال الكاملة لكاتب شاب مات قبل الثلاثين

حين انتهيت من قرائتها أصبت بالجنون

ربما لأنى أدركت فى لحظة ما أن العمر قد ينقضى فجأة

دون أن نملك فرصة للتخلص من صمتنا

أو نشيخ ويتحكم فينا النسيان

نضيع ونغوص فى مزيد من اللهث داخل مزيد من المتاهات

مزيد من الحمق والعند مع أنفسنا

مزيد من الخوف والبحث عن ما يفتقده كلا منا عند الآخر


بالرف الأخير تحجز هديته الأولى مكانا فى الذاكرة

وضعت بجوارها قنينة عطر صغيرة للغاية برائحة الفانيليا

بين حين وآخر أضع قطرة منها على راحة يدى وأفركها جيدا مع اليد الأخرى

تتشبع ذرات الهواء بها، وتنزعج أمى منها بشدة

وكل ما يعنينى أن أنشر رائحة الذكرى فى كل أرجاء المكان


أصبحت أخشى الإقتراب من هذا الحيز

يبدو أن حاجزا نفسيا أقامه أحدهم بينى وبين ما يحويه ذلك الرف

شعور مسلم به ترسخ فى ذهنى

أنى لن أستطيع فهم أى سطر من تلك السطور المرصوصة بجوار بعضها البعض

لن تسمح لى أن أعيها

ربما لا تريدنى الآن

ربما أصبحت ترفضنى


أعود لتأمل تفاصيل مكتبتى مجددا

أجدنى قد غفلت عن أقلامى الفارغة بعد إنهاكها فى الكتابة

والمليئة فى انتظار المزيد

غفلت أيضا عن الجزء المخصص لأبحاثى الدراسية

ما قمت بانجازه خلال السنوات الماضية

أتسائل كيف فعلت هذا

كيف كتبت كل تلك الأوراق بهذه الدقة يوما ما


أعود لأفكر

ربما كل هذه الأشياء الصغيرة مجتمعة تمثل معنا هاما

تعطى بُعدا آخر لحياتى

تضفى عليها لونا ومذاقا خاصا

هوية

تحمل مزيجا من الإنجازات والإخفاقات

السكون للأبد

رغبة الطيران الأبدية

لا مانع من تذوق بعضا من الطعم اللاذع بها على سبيل الإثارة

بما فى ذلك طعم الذاكرة ، والنسيان

والرفض


إنه لم ير بالفعل الجانب الآخر من هذا البيت

وهذا هو كل شىء