الاثنين، 31 أكتوبر 2011

شغف !

على عتبة الشتاء أشياء كثيرة ترفض أن تموت حقا. لا تُغلق الأبواب، بل يتسلل شعاع دافيء من نافذة مفتوحة على خجل، وتستمر البلورات الساكنة بمداره في الرقص العشوائي. على عتبة الشتاء أبتسم أخيرا عندما أضع رأسي على الوسادة، فأصدق أن خللا أصابني لا محالة. أتفقد هاتفي كل نصف ساعة، أستمع لأم كلثوم بكثرة، وأجرب حظي معها فأجدها بشكل غرائبي قد ابتعدت عن الهجر والجراح والندم والوعود التي لا تنفّذ والمواعيد التي تفوت دائما ولا تعوّض.
أحيانا، أريد ولو للحظة ايقاف انسياب أفكاري الناعمة وأنا أهمس لنفسي أن أفيقي. لا أنتبه أن شعاع الشمس قد تدفق من مسامي وبدأ في إذابة الجليد المتكوم على بيوت مهجورة بالداخل، تتحرك الستائر ويخفق طائر بجناحيه كنت قد نسيته نائما، ولا أدري كيف تفعل بي أغنية ما كل هذا وكنت قد نسيت فعل الخفقان. كل ما أدركه أن شيئا ما حدث حتما، وجعلني أشم رائحة السكر المحترق ثانية. شيء أصابني بمس من شغف. وفي شغف الانتظار لا أقول كدرويش أن هوس يصيبني برصد الاحتمالات الكثيرة، بل أختصر معانيه كلها في جملة واحدة وأقول: آه ياني !!

الأحد، 30 أكتوبر 2011

على فكرة

(20)

في نوفمبر القادم سيحدث لي أمرا سعيدا. سيخجل نوفمبر من نفسه لأني صادقة في محبته، رغم ما يفعله بي !

الاثنين، 24 أكتوبر 2011

صدفة !

يا الله .. ألم أقل أني أخاف على أحلامي !!

أتعرّف على رجل ما تدريجيا، وأنتظر اللحظة الأخرى دون وعي مني وبداخلي يقين خفيّ أنها ستأتي حتما .. ما دامت تتكرر المصادفات هكذا فلما لا !

لا أتذكر متى كانت أول مرة وما الشيء المهم الذي جعلني ألتفت إليه، حقا لا أعرف .. ربما كان موجودا طوال الوقت. يبدو الأمر وكأني أنتمي لمشهد سينمائي، أجلس بأحد أطرافه، بيننا مقاعد كثيرة وأشخاص أكثر يجلسون عليها، زحام وأصوات مرتفعة بينما يجلس هو بالطرف الآخر .. عدم معرفتنا بذلك لا ينفي أننا نوجد بنفس المكان !

هل هو كذلك حقا؟! ... أصطدم بعينه في تلك اللحظات المتقاطعة عندما تتحرك وضعية المقاعد - عينه الناظرة دوما إلى نقطة بعيدة لا يراها المارة من حولنا- ويكون سائرا بعكس اتجاهي على نفس الرصيف. تصطدم عيني به مارا أمام الغرفة بأحد الأماكن التي كنت أتردد عليها مؤخرا. أو أكتشف جلوسه على الكرسي المجاور بأحد المقاهي، وفي يوم آخر يأتي لنفس المقهى ويتقدم إلينا ليستأذن صديقتي في استعارة كرسي فارغ، ويحدث أنها تعرفه شخصيا وتنطق اسمه .. ها هى معلومة جديدة تنسل وراء الأخرى ولا أبحث عن فرصة متكررة، لا أحاول أن أسأل: "من أنت؟" .. أقول لنفسي بثقة اُحسد عليها لندرتها: "سيأتي.." ثم أنسى الأمر كلية دون مجهود !

فأذهب مؤخرا لأحد اللقاءات، أهرول في الشارع لأني تأخرت وأنظر في الساعة، أحدد المسافة المتبقية وأقرر أنه يجب عليّ الوصول خلال عشر دقائق لا أكثر، وفور دخولي من الباب أصطدم به للمرة التي لا أعرف عددها. كنت على وشك سؤاله ماذا تفعل هنا، ولكني مرقت من أمامه مدفوعة بالسرعة لأستقر بحضن صديقتي. ثم أفكر: نعم، هذا ما يفعله الأصدقاء المشتركون، هناك نظرية أن الحياة لا تحتوي على أكثر من 17 شخص يتبادلون الأدوار فيما بينهم ويظلون بنفس الدائرة، يقتربون أو يبتعدون، في النهاية يوجد ما يوصل بيننا بشكل أو بآخر. لم 17 بالتحديد؟ لا أدرى انه مجرد رقم !

لقد جلس خلفي إذن، واستمع إلى حديث حميمي بيني وبين فتاة أتعرف عليها لأول مرة – صديقته أيضا – وربما رآني وأنا أمسح دمعاتي في صمت تأثرا بكلمات صديقتنا المشتركة. ثبّتُ نظري عليه وهو يتحدث ولم أشعر بحرج في ذلك، كنت كالطفلة تستقبل غرباء ودودين في عالمها الصغير، شعرت أني أريد معرفته .. صديقتنا قامت بواجب تعريف كل منّا للآخر وانتهينا. لم نتبادل حديث خاص، لم نجلس معا، لم يستمع إلى الكلام اللطيف الذي قيل عنّي ، لم يسمعني وأنا أضحك بصوت عال، لم يراني وأنا أشعر فجأة بهبوط وتعب مفاجيء لقلة نومي، لم يراني أيضا وأنا أستند برأسي إلى شباك المترو، أغمض عيني وأبتسم رغما عنّي !

حسنا .. لِمَ أقول كل ذلك؟ .. لأني في اليوم التالي وبعد ليلة أخرى من نوم غير كاف وجسد مرهق، أعود إلى البيت بعد الظهر من مهمة اضطرارية لآخذ حماما دافئا وأنام، لأجدني انتقلت إلى مكان آخر. حيث غرفة شبه مظلمة، نوافذها مغلقة بينما يأتي مصدر الإضاءة الخافتة من مصباح صغير بجانب السرير. السرير غير مرتب، يبدو عليه أثر نوم ولحافه متكوم على أحد جوانبه. يجلس هو على طرفه متطلعا إليّ. أقف مستندة برأسي إلى حافة الباب وأضم إلى صدري كتبا كثيرة، أغمض عيني وأسأله بصوت خافت: "هل تسمع ذلك الصوت؟" ... المكان كان صامتا. لا أثر لأية ضوضاء، ولكن هناك موسيقى تُعزف بداخلي. أفتح عيني لأراه واقفا أمامي بابتسامته، يأخذ منّي الكتب ثم يضمني إليه، ويخبرني أنه يحب رائحة شعري.

منذ أن استيقظت وأنا أرغب في البكاء بشدة .. وحقا لا أدري ماذا يحدث لي هذه الأيام، هل أعاني من اضطرابات عقلية أم من نبوءات تأتيني قبل موعدها. لقد أصبحت أخاف أيضا من أحلامي !!

السبت، 22 أكتوبر 2011

ما يجبرني عليه النوم !

(1)

أخذني الولد الصغير من يدي لأريه اتجاه المخبز. اشترى ثلاث فطيرات كبيرة الحجم وترك لي قطعة صغيرة، وضعتها في فمي وعدت معه لأوصله إلى بيته. في الطريق تركني وجرى بعيدا فوجدت أمامي بابا مفتوحا على غرفة واسعة تجلس أمي بصدارتها، وترتدي السواد. كل النساء بالغرفة يتزين بالأسود ويضعن الحجاب. خلعت حذائي ودخلت، ثم أدركت أنه عزاء زوج صديقتها التي تجلس على يسارها. لا أعرفها ولم أرها قبل تلك اللحظة، ولكني سلمت عليها بحرارة وكنت صادقة في مواساتي لها. عينها الواسعة ابتسمت لي ولفت نظري الحسنة الكبيرة بجانب أنفها. سلمتُ أيضا على ابنتها وكانت تضحك بشكل يثير الدهشة.

(2)

مشيت في ذلك الطريق الترابي تاركة خلفي بيتنا القديم، واتجهت نحو الساحة الواسعة المنتهية بأشجار الكافور. الوقت يتبدل كل دقيقة بين الليل والنهار، والحقل على يميني مزروع بشجيرات متشابكة على غير المعتاد. ما أن وصلت إلى الساحة حتى أذهلني المشهد بينما ثبت الليل على حاله. على الجانبين تجلس مجموعة أخرى من النساء حاسرات الرأس في زيّ الحداد، ويعتصرهن الحزن والألم. أخبرتني إحداهن بأن جارتنا أم رندا وابنتها رندا وحفيدتها قد متنّ. لم أصدق، وقلت فى انفعال أن هذا لم يحدث، لقد تركن البيت ورحلن، ولكنهن ما زلن أحياء. تلقيت مزيد من الدموع، فهرعت إلى المنزل الكائن بالدور الأرضي، في تلك البناية الوحيدة بالساحة.

عندما وقفت بالشرفة المطلة على الفناء الخلفي واجهتني السماء، وبزغ منها قمر كبير كامل الاستدارة، ثم بدأت نجوم بأحجام مختلفة في الظهور. النجوم اقتربت مني وتحول بعضها إلى فتيات صغيرات بلون الفضة يركضن فوق ظهور أحصنة فضية هى الأخرى. انحسر الليل فجأة واتضحت معالم الحديقة أمامي، مقسمة إلى أحواض زرع مستطيلة بكل واحد منها نبتات وليدة زاهية الخُضرة. النهار كان قويا، أضاء كل حجرات المنزل المهجور، بكل حجرة قطعة أثاث ملقاة هنا أو هناك. بالمطبخ وجدت الثلاجة مغلقة بمفتاح صغير متروك بها. أدرته في الثقب فانفتح لي درج صغير مُخزّن به ثمرات موز وتفاح، تعجبت من أنها لا زالت تحتفظ بنضارتها رغم مرور وقت طويل. بداخلي كنت قررت اقتناء البيت والمكوث به.

من النافذة لمحت أمرا غريبا، بناية أخرى وُجدت فجأة بالخلف. لم يظهر منها إلا كل تلك السجاجيد الملونة والمنقوشة في بهاء وبهجة، مدلاة من جميع شرفاتها وكأنها معروضة لتجف بعد غسيلها. خرجت لأستوضح الأمر فوجدتني أنزل على سلالم مدرستي القديمة وأدخل إلى أحد الفصول. هناك كانت تقف مدرسة اللغة الانجليزية التي تعذب الأطفال، تمسك بدفتر دراسي يخصني وتستشهد به أمام زملائي وزميلاتي اللذين تكتظ المقاعد بهم. وضعته بعد ذلك بين بقية الدفاتر وقسمتهم إلى نصفين، أخذت نصف منهم وخرجت. النصف الآخر ذهب إلى أسماء صديقة الابتدائي، سألتها إن كان دفتري معها ولكنها أجابت بالنفي. أعرف أن أسماء لا تحبني بشكل كاف، شيء ما أخبرني أنه ضاع للأبد. ولكني أخبرتها بأني سأعود غدا ربما عثرت عليه معها. نظرت إلى يميني ورأيت حسين واقفا يأكل من ثمرة موز ناضجة. شعرت به يتبعني ليطمئن عليّ، فتركته لأغلق باب الفصل ورائي وأذهب إلى معلمتي. اشتكت لي من جسدها الذي يؤلمها كل شبر فيه، وقالت أنها لا تملك دفتري، فربّتُ على يدها وذهبت لأنزل السلالم حيث فناء المدرسة.

اعترض أحدهم طريقي وأمرني بالنزول من الجهة الأخرى، فعدت أدراجي لأرى سيلا من فتيات المدرسة يخرجن من الفصول وينزلن بدورهن من تلك الجهة لا غيرها. ملامحهن كانت متشابهة بشدة وكأنهن توائم. وحين نزلت آخر درجة قابلت مدرس اللغة العربية الذي علمني أن كل جسد المرأة عورة وأنا بعد بالعاشرة من عمري. سلمت عليه بودٍ وعلى الشاب الواقف بجواره الذي لم أعرفه، لأنه كان مقطوع الرأس. ولكني شعرت بميل ما نحوه.

عند خروجي من الباب الزجاجي تأملت حالي. كنت أرتدي ملابس شتوية أنيقة تصل عند الركبة، وتحتها شراب صوفي ثقيل. شعري مرفوع فوق رأسي، وقُصّة تتدلي على جبيني. كنت أكبر من عمري الحقيقي بسنوات كثيرة، مبتسمة وشاعرة بثقة غريبة بان أثرها على خطواتي الثابتة.

الأحد، 16 أكتوبر 2011

عن العشر دقائق التي لم يعرف عنها أحد !

سألت عن اتجاه الحمام. أغلقت بابه ورائي ووقفت أمام المرآة. عدّلت وضعية حجابي، خلعت نظارتي واقتربت. مسحت الكُحل الزائد، واطمأننت لطريقة رسم عيني الجديدة. وجهي كان صافيا، شفتيّ تحملان لونا باهتا محببا، حاجبيّ بهما تقوس طفيف ودرجة امتلاء كنت أطمح إليها. بقع النمش الخفيفة التي بدأت في الانتشار تتضح أسفل الإضاءة الصفراء. كل شيء يبدو مثاليا. أطلت النظر إلى عيني، ثم وضعت النظارة بحقيبتي وخرجت. نزلت إلى الشارع أبحث عن الهواء. رغم ضبابية المسافة أمامي مضيت بخطوات سريعة، ولم أتوقف لأحدد في أي اتجاه أسير كالمعتاد.

الأحد، 9 أكتوبر 2011

*لبرهة يؤلمني غيابك !

أستيقظ فارغة منّي

هناك أشياء محددة يجب الانتهاء منها

هناك صلوات عليّ أن أؤديها

كل شيء واضح

ولكن اليوم يضيع وأنا أرتب داخل عقلي

سأفعل كذا وكذا وكذا

وكل ما أملكه شعور بالفقد وليس الذنب

***

الأمور البسيطة حتى تلزم وقتا

هل أتناول الغداء الآن أم أنتظر عودتهن

هل أكتب الآن، أم أغوص في كتاب جديد

هل أستغل هدوء البيت الآن

أم أرجىء كل أمنياتي الصغيرة حتى يعود لصخبه

وأبحث عن ركن وحيد

متململة ومتزمرة لانعدام الخصوصية

والوقت والمساحة الكافيين

***

أدور حول نفسي في المطبخ

وأعرف أن عليّ تسخين الطعام

كل ما أريده الآن سد فراغ المعدة

سد الفراغ بين الشفتين

كل ما أريده الآن قُبلة

وأحلامي الليلية أخشي عليها

التحول إلى أفلام درجة ثالثة

لماذا لم يلمس يدي حقا، حين واتته الفرصة؟!

***

سأشعل النار

ولكن سأكتب هذه الكلمات قبل أن أنساها

وجرس الباب يرن بشكل مزعج

وأنا بالمنتصف

عاد للجدران الصوت العالي

***

سأتناول غدائي

وأنتظر تحميل الجزء الأخير من هاري بوتر

الشيء الوحيد الذي تحركني الحماسة نحوه

قد يقول رون لهارموني أنه يحبها أخيرا

وأنام قريرة العين لأنه رون وليس هاري

***

تدخل أمي المطبخ ولا تلقي بالا أني أكتب

كل ما تسأله لماذا لا أغرف الطعام

ماذا ستفعل لو أخبرتها

أني أريد العيش دون حجاب

ربما تعيد سؤالي لماذا لم أغرف الطعام

***

لن أفعل ما أريده اليوم أو غدا أو بعد غد

لا شيء يمنعني

ليس أكثر من يقيني أني لست هنا

منذ وقت طويل لم أعد هنا

في أحد الصباحات

استيقظت فارغة منّي

فتجاهلت الأمر

واكتفيت بظلّي ...



*العنوان يعود إلى الشاعرة اللبنانية سوزان عليوان

الجمعة، 7 أكتوبر 2011

!! .....Facts, facts, facts

الولد الذي يشبهني، يحلم بالسفر، ويكره صخب المدن.
الولد الذي يشبهني اقتحم منامي ليلة أمس
بينما كنت أستقل عربة السيدات بالمترو فأصر على الدخول معي.
جلسنا على إحدى الآرائك العريضة بمفردنا، وكلهن من حولنا واقفات.
الولد الذي يشبهني أحاط كتفيّ بذراعه
وتحركت يده تمسّد ظهري من أعلى لأسفل، من أسفل لأعلى...
بلطف ونعومة، وخدر لذيذ يسري...
عضلاتي ترتخي، وتنتظم أنفاسي.
الولد الذي يشبهني ....
يصرخ مستر جرادجرايند بجملته الشهيرة في أذني: "حقائق حقائق حقائق .."
أعرف من الآن أن شيئا لن يحدث ...
ولن تطولني منه لمسة يد خارج سياق الحلم ..
حيث أن الواقع مازال يفتقر لكثير من المنطقية !