الخميس، 22 ديسمبر 2011

علاء !


اليوم بعربة المترو لمحت تلك الفتاة، كانت تضع ملصقا على صدرها لم أتبينه. تعطيني ظهرها وبيني وبينها زحام. عندما التفتت رأيته، صورته المنتشرة ولكنها مطبوعة بالأبيض والأسود واسمه المكتوب بأعلاها، يزين جبينها شريطة سوداء. الفتاة أيضا كانت ترتدي السواد. نظرت إلى علاء قليلا، تأملت ابتسامته للمرة التي لا أدري عددها. ابتسامة علاء مختلفة، علاء ذاته مختلف، نظرة علاء تختلف عن كل نظرات الشهداء السابقين والحاليين، لا تواجه المصوّر .. تواجه شيئا أبعد من ذلك، في سكينة تامة. نظرته تؤسرني دون غيرها. حتى نظرة الشيخ عماد وابتسامته التي تشعرني براحة واطمئنان ولكنها لا تفعل بي مثل الذي يفعله ذلك الشاب الوسيم. نظرة علاء بها شيء يخصني وحدي، الوحيد الذي يشعرني بيد باردة تعتصر قلبي، وتظل تعتصره إلى أن أفقد القدرة على التنفس، وأحس بألم حقيقي.
حينما طاردتني عيناه اليوم في المترو حاولت اجبار عيني على التماسك، ولكني لم أقو على الإشاحة بوجهي بعيدا. نزلت الفتاة، واقتربت أنا من الباب لأتنفس بعض الهواء، شعرت بنفسي أسقط في فجوة كبيرة، ضممت قبضة يدي وطرقت على زجاج باب العربة طرقات خافتة بطيئة متوالية. كنت أزيل توتري، كنت أحاول إلهاء نفسي، كنت أتخيل لو وجدت صديقتي فور نزولي سأندفع إلى حضنها وأنا أخبرها بما رأيته وأترك لبكائي العنان. كنت أتخيل لو لاحظ أحدهم حزني وسألني على ملابسي الداكنة، فأجيب: "عندي حالة وفاة". كنت أنظر للمارة على رصيف المحطة أمامي قبل أن تُغلق الأبواب في البداية، أثبت نظري عليهم، وأود لو أقول لهم في هدوء: "علاء مات على فكرة".
الحزن هذه المرة لم يكن محاولة يائسة للتعاطف، كان فقدا حقيقيا، أنا من فقدته !
هل كان يجب أن ألقاه في مكان ما قبل أن يرحل ... لو التقيت به كنت سأحبه؟ ... الكل أحب علاء، ولكني أتسائل عن إمكانية أن أحبه بمعنى أن أحبه. هل كان هو حقا؟!! .. هل تآلفت روحي معه قبل نزولنا على الأرض؟ ... لماذا أنت يا علاء دونا عن بقية الرجال الدافئين الذين تركوا حضنا فارغا ورائهم؟ لماذا أنت، وعندما غافلتني بتلك النظرة لأول مرة، شعرت بشيء ثقيل يصدم رأسي، بعد أن تعودت على أخبار الراحلين في النشرة، بعد أن كنت أتحاشي الأماكن التي تُذكر فيها أسماؤهم ..... لماذا أنت، وكلما نظرت إلى صورة جسدك الفارغ منك ظننتك نائم، ساقط في نوبة نوم من شدة التعب، ظننت أنّ ما عليَّ إلا هزّ كتفك بشدة وأنا أنادي عليك بصوت عالِ: "يا علاء .. اصحى يا علاء النهار طلع"


الخميس، 15 ديسمبر 2011

على فكرة

(26)

بقيت بحس إني كائن بارد، مش عارف يحب. أو بمعنى أصح، مش قادر يخرج طاقة الحب اللي جواه ويمارسها بشكل عملي، من غير ما يستغرب روحه وهو بيعمل كدا.

حاسة إن روحي عجزّت فجأة، وإني تعبت أصلا وزهقت من أي محاولة أنشر بيها الدفا حواليا ... مش عارفة أسند حد، مش عارفة أصدق نفسي لما يبقى مطلوب منّي أعمل كدا. مش عارفة ليه بقى عندي استعداد أعيط كتير وفي أى لحظة .. مش عايزة أستجيب لأي محاولات أخرج بيها من البيت ...

كأني من غير ما آخد بالي كبرت ع الحب، ومبقاش ينفع غير إني ألعب دور الصديقة العاقلة، آخرها تطبطب على كتف اللي جنبها وتقوله الكلمتين اللي حفظاهم .... أنا ليه بعمل في نفسي كدا؟!

بقى صعب حتى أرد على أى حد لما يسأل عليَّ .... بقى مجهود صعب !

أنا بس عايزة أنام، وماقلقش فجأة لما أحس إن البطانية مش مدفياني كويس .. عايزة أنام ولما أصحى أحس إني نمت بجد، مش غمضت عيني وغبت عن الوعي. عايزة ما أصحاش على صوت أمي العالى، عايزة ما أصحاش على صوتها وهى بتشتكي من تعبها ... عايزة أصحى ألاقي نور داخل من شباك الأوضة ....

أنا مش عايزة حاجات كتير، مش عايزة أى حاجة دلوقتي، غير إني أنام وأصحى أحس باختلاف، مش أحس إني عايشة يوم واحد طويل مابيخلصش من أيام كتيرة ..!!

الاثنين، 12 ديسمبر 2011

على فكرة

(25)

أستمر في إرسال المزيد من الإشارات الذهنية، وأصدق أنها تصل إليك.
لو سافرنا بعيدا عن هنا .. لو كنا بمكان أقل تعقيدا وأكثر رحابة.
لو كنا سويا بمكان بعيد يُقلّص المسافات بين بيتي وبيتك ..
لو كنا نفس الولد والبنت ببلد أخرى، لربما جاءت الفرحة سريعا ....


الجمعة، 2 ديسمبر 2011

الحياة مفيهاش صُدف !

"وسأكتب فوق عينيها .. هنا يوجد جمالٌ لا يُدرك ذاتَه"

"العجيب بقى يا نهى انك كنتِ حاضرة في ذهني وأنا بكتب لسبب غير مفهوم !

فيه حاجة تخصك أنا والله ما أعرف هى ايه، بس بحس انك شبهي وأنا في سنك كدة بطريقة مالهاش علاقة بتفاصيل حياتنا. وبتخيل إني أقدر أفتحلك باب على النور، الباب اللي كان ممكن ينقذني ساعتها، ولو عرفت افتحه دلوقتي ليكي .. هعرف أنقذ نفسي ساعتها بشكل سحري ..!"

...
غادة، أنا هحتفظ بالكلام دا هنا عشان مش عايزاه يتوه وسط الزحمة، هخزّن شوية الدفا هنا عشان أقدر أعرف طريقه كل ما أحتاج له. هسيب الكلام دا هنا عشان لما ييجي يوم ونفرح سوا ونفتح شباك ع الشمس في نفس الوقت نصدق بجد إنه مفيش صدف، وإننا صح، وإننا نستحق الحُب .. وإنه سكته ماكانتش بعيدة علينا، وإنه ربنا جميل :)

الثلاثاء، 29 نوفمبر 2011

أنا ليه عايزة أشوفك؟!

(1)

عشان نسيت لما كنت معاك إحساس إني مسافرة ومقسومة نصين، حسيت إني وصلت خلاص.

(2)

عشان الكلام معاك بيخرج من غير مجهود ومن غير تفكير .. ومن غير كسوف.

(3)

عشان قدرت أبص في عينيك وانت بتتكلم وماحستش بحاجة تمنعني وتجبرني أدوّر وشّي الناحية التانية .. عشان عايز تسمعني.

(4)

عشان بلاقيني خفيفة وضحكتي حاضرة.

(5)

عشان عايزاك تروح معايا الحاكم بأمر الله، لما كنت بروح هناك لوحدي علطول أفكّر إنه نفسي أجيب حد تاني معايا ونقعد نتفرج ع الحمام سوا. فأنا عايزاك تيجي وتتمشى معايا لحد آخر الشارع وبعد ما نخرج أعزمك على عنّاب.

(6)

عشان عايزة أعزمك على آيس كريم قبل ما الشتا يخلص.

(7)

عشان عايزة أشرب معاك تاني فنجان قهوة زيادة.

(8)

عشان متضايقة المرة اللي فاتت اليوم كان قصير ومشيت وأنا لسة عايزة أستنى.

(9)

عشان عارفة انك كنت عايز تستنى.

(10)

عشان عايزة أتفرج على فيلم بحبه معاك.

(11)

عشان عايزة أصوّرك كتير.

(12)

عشان عايزة أعرفك أكتر.

(13)

عشان اكتشفت إني كنت مهتمة من زمان وأنا ولا واخدة بالي.

(14)

عشان بحس بدفا واحنا بنقلش على بعض.

(15)

عشان عايزة أعرف انت بتفكر في إيه.

(16)

عشان رغم إنك بعيد، لكن فاكر كويس إني كتبت مرة تدوينة كاملة عن الشوكولاتة، وإني مابحبش الناس تكتب اسمي بالألف، وإني بحب المطابخ، وبحب الشمس اللي بتدخل البيوت.

(17)

عشان بقيت كارهة المسافات، وكل ما أفتكرها أحس إني مخنوقة وعايزة أعيّط.

(18)

عشان أنقذتني فعلا وانت مش واخد بالك.

(19)

عشان عايزة أتعلم الرقص ويّاك.

(20)

عشان عايزة نسمع أم كلثوم سوا.

(21)

عشان نفسي أصحى في يوم الصبح على تليفون منك بيقولي صباح الخير.

.......

أنا خايفة تقرا الكلام دا، ورافضة أسجنه جوايا في نفس الوقت، ولو انت أقرب من كدا كان ممكن أطلع أجري. أنا خايفة أصدق إنه فيه حاجة حلوة ممكن تحصل ...!!

الخميس، 24 نوفمبر 2011

عبد الله ..!





الولد اللي أول مرة شفته اتعلقت بضحكته الصافية وعينيه اللي بتلمع، وشقاوته وروحه الخفيفة. الولد اللي لما بيصورني بيعرف يشوفني صح، حتى لو وشّي باين عليه التعب. الولد اللي قابلته تلات مرات بالعدد، وأخر مرة كانت في بيته الدافي وسط اخواته وأمه العظيمة وبقية صحبتنا. الولد اللي شفت في عيونه ساعتها غيمة حزن ساكت وأنا عارفة انه أحلامه بسيطة: يصوّر فوتوغرافيا ويلعب مزيكا، وقلت لروحي ان الهموم عرفت سكتها ليه بدري. الولد اللي يومها في كل لفتة وحركة بيعملها كنت بشوف جواه انسان ناضج دافي وقلبه كبير. الولد اللي عرفت بعدها انه كان تعبان وعنده دور برد وسخونية جامد ومع ذلك ولا حد خد باله، وكان واقف ياخد باله من كل الناس، وآخر واحد يقعد مكانه بعد ما يشوفنا كلنا محتاجين ايه. الولد الخجلان من كلمة إطراء ونظرة اعجاب. الولد اللي قلبي أكلني عليه هو وأخوه لما اتقبض عليهم في التحرير من أيام. الولد اللي حما أخوه الكبير بجسمه ساعة الضرب وزاد عنه، وايمان أخوه وثباته خلاه يستحمل كل التعب والوجع والسخونية. الولد اللي خرج م النيابة يبتسم عشان يطمن أهله، واللي بعتلي رسالة يطمني رغم ان ايديه كلها متكسرة. الولد اللي لسة بيغني ويهزر وما بينساش يقول شكرا لكل واحد قلق عليه. الولد اللي عمره 18 سنة ونفسه الدنيا ماتحودش عن سكة أحلامه ولسة بياخد فيها أول خطوة. الولد بقى بالنسبة لي راجل جدع فخورة بيه. مفيش بيننا صلة دم بس بقيت حساه حتة منّي. الولد اللي يسلم ويعيش ويخلّي لنا ضحكته الحلوة .... !

ارتباك !

عصبية ... رغبة متجددة في البكاء والنوم المستمر...
ولسة عندي أمل في نوفمبر!

الاثنين، 21 نوفمبر 2011

على فكرة

(24)

أو يمكن عشان الأيام اللي فاتت كنت شامة ريحة معينة مسيطرة ع الجو ... ماكنتش لسة أعرف انها ريحة الموت !

الخميس، 17 نوفمبر 2011

على فكرة

(23)

يمكن مش السبب إني متخانقة مع أمي الأيام دي، ولا إنه بيجيلي ضيق تنفس في كل الأماكن وببقى عايزة أطلع أجري، ولا إني محوشة طول الوقت شوية دموع جوا عيوني. يمكن لأني عايزة أشوفك، ولأني كارهة المسافات وعايزاك هنا طول الوقت. يمكن لأني مش عارفة ليه عايزة كدا م الأساس. عايزة بس أتمشي معاك لساعات طويلة. مش حابة نقعد على كرسيين قصاد بعض ونحكي، أنا جعانة تمشية معاك بشكل غير مفهوم. احنا أحسن مع بعض واحنا بنتحرك، زيّ اتنين بيرقصوا سوا وفيه هارموني بينهم مظبوط ع الشعرة .... يمكن لأني عايزة أرقص؟! ... أنا واحشني الخِفّة في حياتي!

الاثنين، 7 نوفمبر 2011

خذني إلى بيتك يا نور* !

المفروض دلوقتي أكون واصلة للراحة التامة لما أشوف حياتي بتتصلح والغايب بيرجع. مرتاحة فعلا وكل مدى ربنا بيشيل حِمل زيادة من على صدري. بس الأيام دي ماكنتش مستعدة لحدوتة جديدة لا ع البال ولا ع الخاطر تربكني من تاني، على قد ما أنقذتني من مشاعر سلبية كتير على قد ما خايفة عليها يكون عمرها قصير. خايفة أكون مصابة بلعنة مشاعر الاتجاه الواحد، السكة اللي رايحة مش جاية، البيوت اللي بتتخلق بس في خيالي. بقى صعب أقنع نفسي كفاية أكون مبسوطة، بلاقيني باستني فرحة زيادة، فرحة بعينها، بلاقيني كنت مستنياها بالذات من وقت طويل وأنا مش واخدة بالي، ماعرفتهاش إلا لما ايد سابت نفسها في حضن ايدي وحسيت بدفاها، وحاجات كتير اتقالت في جزء من الثانية.

برجع وأفتكر كلام غادة: "ليس بإمكاني البقاء في الخوف"* وأقول لروحي: "ليس بإمكاني البقاء في الوهم". بس هى كمان قالت لي افرحي ... افرحي بجد. بقيت متعودة الحياة من وقت للتاني تتحول لصالحي، حصلت كتير، وعارفة اللي جاي أكتر. بس هو داء الانتظار، لحد ما ييجي اللي ياخد ايديَّ ويروحني البيت، ومايسيبهاش للهوا مرة تانية !



*العنوان والاقتباس لغادة خليفة

على فكرة

(21)

الفرق بين نيسان ونسيان حرفان، تبدّل واحد مكان الآخر. يشبهاني لأنهما يبدآن وينتهيان بأول حرف من اسمي..
لأني وُلدت بالأول، وسأضيع يوما ما في الثاني !

الاثنين، 31 أكتوبر 2011

شغف !

على عتبة الشتاء أشياء كثيرة ترفض أن تموت حقا. لا تُغلق الأبواب، بل يتسلل شعاع دافيء من نافذة مفتوحة على خجل، وتستمر البلورات الساكنة بمداره في الرقص العشوائي. على عتبة الشتاء أبتسم أخيرا عندما أضع رأسي على الوسادة، فأصدق أن خللا أصابني لا محالة. أتفقد هاتفي كل نصف ساعة، أستمع لأم كلثوم بكثرة، وأجرب حظي معها فأجدها بشكل غرائبي قد ابتعدت عن الهجر والجراح والندم والوعود التي لا تنفّذ والمواعيد التي تفوت دائما ولا تعوّض.
أحيانا، أريد ولو للحظة ايقاف انسياب أفكاري الناعمة وأنا أهمس لنفسي أن أفيقي. لا أنتبه أن شعاع الشمس قد تدفق من مسامي وبدأ في إذابة الجليد المتكوم على بيوت مهجورة بالداخل، تتحرك الستائر ويخفق طائر بجناحيه كنت قد نسيته نائما، ولا أدري كيف تفعل بي أغنية ما كل هذا وكنت قد نسيت فعل الخفقان. كل ما أدركه أن شيئا ما حدث حتما، وجعلني أشم رائحة السكر المحترق ثانية. شيء أصابني بمس من شغف. وفي شغف الانتظار لا أقول كدرويش أن هوس يصيبني برصد الاحتمالات الكثيرة، بل أختصر معانيه كلها في جملة واحدة وأقول: آه ياني !!

الأحد، 30 أكتوبر 2011

على فكرة

(20)

في نوفمبر القادم سيحدث لي أمرا سعيدا. سيخجل نوفمبر من نفسه لأني صادقة في محبته، رغم ما يفعله بي !

الاثنين، 24 أكتوبر 2011

صدفة !

يا الله .. ألم أقل أني أخاف على أحلامي !!

أتعرّف على رجل ما تدريجيا، وأنتظر اللحظة الأخرى دون وعي مني وبداخلي يقين خفيّ أنها ستأتي حتما .. ما دامت تتكرر المصادفات هكذا فلما لا !

لا أتذكر متى كانت أول مرة وما الشيء المهم الذي جعلني ألتفت إليه، حقا لا أعرف .. ربما كان موجودا طوال الوقت. يبدو الأمر وكأني أنتمي لمشهد سينمائي، أجلس بأحد أطرافه، بيننا مقاعد كثيرة وأشخاص أكثر يجلسون عليها، زحام وأصوات مرتفعة بينما يجلس هو بالطرف الآخر .. عدم معرفتنا بذلك لا ينفي أننا نوجد بنفس المكان !

هل هو كذلك حقا؟! ... أصطدم بعينه في تلك اللحظات المتقاطعة عندما تتحرك وضعية المقاعد - عينه الناظرة دوما إلى نقطة بعيدة لا يراها المارة من حولنا- ويكون سائرا بعكس اتجاهي على نفس الرصيف. تصطدم عيني به مارا أمام الغرفة بأحد الأماكن التي كنت أتردد عليها مؤخرا. أو أكتشف جلوسه على الكرسي المجاور بأحد المقاهي، وفي يوم آخر يأتي لنفس المقهى ويتقدم إلينا ليستأذن صديقتي في استعارة كرسي فارغ، ويحدث أنها تعرفه شخصيا وتنطق اسمه .. ها هى معلومة جديدة تنسل وراء الأخرى ولا أبحث عن فرصة متكررة، لا أحاول أن أسأل: "من أنت؟" .. أقول لنفسي بثقة اُحسد عليها لندرتها: "سيأتي.." ثم أنسى الأمر كلية دون مجهود !

فأذهب مؤخرا لأحد اللقاءات، أهرول في الشارع لأني تأخرت وأنظر في الساعة، أحدد المسافة المتبقية وأقرر أنه يجب عليّ الوصول خلال عشر دقائق لا أكثر، وفور دخولي من الباب أصطدم به للمرة التي لا أعرف عددها. كنت على وشك سؤاله ماذا تفعل هنا، ولكني مرقت من أمامه مدفوعة بالسرعة لأستقر بحضن صديقتي. ثم أفكر: نعم، هذا ما يفعله الأصدقاء المشتركون، هناك نظرية أن الحياة لا تحتوي على أكثر من 17 شخص يتبادلون الأدوار فيما بينهم ويظلون بنفس الدائرة، يقتربون أو يبتعدون، في النهاية يوجد ما يوصل بيننا بشكل أو بآخر. لم 17 بالتحديد؟ لا أدرى انه مجرد رقم !

لقد جلس خلفي إذن، واستمع إلى حديث حميمي بيني وبين فتاة أتعرف عليها لأول مرة – صديقته أيضا – وربما رآني وأنا أمسح دمعاتي في صمت تأثرا بكلمات صديقتنا المشتركة. ثبّتُ نظري عليه وهو يتحدث ولم أشعر بحرج في ذلك، كنت كالطفلة تستقبل غرباء ودودين في عالمها الصغير، شعرت أني أريد معرفته .. صديقتنا قامت بواجب تعريف كل منّا للآخر وانتهينا. لم نتبادل حديث خاص، لم نجلس معا، لم يستمع إلى الكلام اللطيف الذي قيل عنّي ، لم يسمعني وأنا أضحك بصوت عال، لم يراني وأنا أشعر فجأة بهبوط وتعب مفاجيء لقلة نومي، لم يراني أيضا وأنا أستند برأسي إلى شباك المترو، أغمض عيني وأبتسم رغما عنّي !

حسنا .. لِمَ أقول كل ذلك؟ .. لأني في اليوم التالي وبعد ليلة أخرى من نوم غير كاف وجسد مرهق، أعود إلى البيت بعد الظهر من مهمة اضطرارية لآخذ حماما دافئا وأنام، لأجدني انتقلت إلى مكان آخر. حيث غرفة شبه مظلمة، نوافذها مغلقة بينما يأتي مصدر الإضاءة الخافتة من مصباح صغير بجانب السرير. السرير غير مرتب، يبدو عليه أثر نوم ولحافه متكوم على أحد جوانبه. يجلس هو على طرفه متطلعا إليّ. أقف مستندة برأسي إلى حافة الباب وأضم إلى صدري كتبا كثيرة، أغمض عيني وأسأله بصوت خافت: "هل تسمع ذلك الصوت؟" ... المكان كان صامتا. لا أثر لأية ضوضاء، ولكن هناك موسيقى تُعزف بداخلي. أفتح عيني لأراه واقفا أمامي بابتسامته، يأخذ منّي الكتب ثم يضمني إليه، ويخبرني أنه يحب رائحة شعري.

منذ أن استيقظت وأنا أرغب في البكاء بشدة .. وحقا لا أدري ماذا يحدث لي هذه الأيام، هل أعاني من اضطرابات عقلية أم من نبوءات تأتيني قبل موعدها. لقد أصبحت أخاف أيضا من أحلامي !!

السبت، 22 أكتوبر 2011

ما يجبرني عليه النوم !

(1)

أخذني الولد الصغير من يدي لأريه اتجاه المخبز. اشترى ثلاث فطيرات كبيرة الحجم وترك لي قطعة صغيرة، وضعتها في فمي وعدت معه لأوصله إلى بيته. في الطريق تركني وجرى بعيدا فوجدت أمامي بابا مفتوحا على غرفة واسعة تجلس أمي بصدارتها، وترتدي السواد. كل النساء بالغرفة يتزين بالأسود ويضعن الحجاب. خلعت حذائي ودخلت، ثم أدركت أنه عزاء زوج صديقتها التي تجلس على يسارها. لا أعرفها ولم أرها قبل تلك اللحظة، ولكني سلمت عليها بحرارة وكنت صادقة في مواساتي لها. عينها الواسعة ابتسمت لي ولفت نظري الحسنة الكبيرة بجانب أنفها. سلمتُ أيضا على ابنتها وكانت تضحك بشكل يثير الدهشة.

(2)

مشيت في ذلك الطريق الترابي تاركة خلفي بيتنا القديم، واتجهت نحو الساحة الواسعة المنتهية بأشجار الكافور. الوقت يتبدل كل دقيقة بين الليل والنهار، والحقل على يميني مزروع بشجيرات متشابكة على غير المعتاد. ما أن وصلت إلى الساحة حتى أذهلني المشهد بينما ثبت الليل على حاله. على الجانبين تجلس مجموعة أخرى من النساء حاسرات الرأس في زيّ الحداد، ويعتصرهن الحزن والألم. أخبرتني إحداهن بأن جارتنا أم رندا وابنتها رندا وحفيدتها قد متنّ. لم أصدق، وقلت فى انفعال أن هذا لم يحدث، لقد تركن البيت ورحلن، ولكنهن ما زلن أحياء. تلقيت مزيد من الدموع، فهرعت إلى المنزل الكائن بالدور الأرضي، في تلك البناية الوحيدة بالساحة.

عندما وقفت بالشرفة المطلة على الفناء الخلفي واجهتني السماء، وبزغ منها قمر كبير كامل الاستدارة، ثم بدأت نجوم بأحجام مختلفة في الظهور. النجوم اقتربت مني وتحول بعضها إلى فتيات صغيرات بلون الفضة يركضن فوق ظهور أحصنة فضية هى الأخرى. انحسر الليل فجأة واتضحت معالم الحديقة أمامي، مقسمة إلى أحواض زرع مستطيلة بكل واحد منها نبتات وليدة زاهية الخُضرة. النهار كان قويا، أضاء كل حجرات المنزل المهجور، بكل حجرة قطعة أثاث ملقاة هنا أو هناك. بالمطبخ وجدت الثلاجة مغلقة بمفتاح صغير متروك بها. أدرته في الثقب فانفتح لي درج صغير مُخزّن به ثمرات موز وتفاح، تعجبت من أنها لا زالت تحتفظ بنضارتها رغم مرور وقت طويل. بداخلي كنت قررت اقتناء البيت والمكوث به.

من النافذة لمحت أمرا غريبا، بناية أخرى وُجدت فجأة بالخلف. لم يظهر منها إلا كل تلك السجاجيد الملونة والمنقوشة في بهاء وبهجة، مدلاة من جميع شرفاتها وكأنها معروضة لتجف بعد غسيلها. خرجت لأستوضح الأمر فوجدتني أنزل على سلالم مدرستي القديمة وأدخل إلى أحد الفصول. هناك كانت تقف مدرسة اللغة الانجليزية التي تعذب الأطفال، تمسك بدفتر دراسي يخصني وتستشهد به أمام زملائي وزميلاتي اللذين تكتظ المقاعد بهم. وضعته بعد ذلك بين بقية الدفاتر وقسمتهم إلى نصفين، أخذت نصف منهم وخرجت. النصف الآخر ذهب إلى أسماء صديقة الابتدائي، سألتها إن كان دفتري معها ولكنها أجابت بالنفي. أعرف أن أسماء لا تحبني بشكل كاف، شيء ما أخبرني أنه ضاع للأبد. ولكني أخبرتها بأني سأعود غدا ربما عثرت عليه معها. نظرت إلى يميني ورأيت حسين واقفا يأكل من ثمرة موز ناضجة. شعرت به يتبعني ليطمئن عليّ، فتركته لأغلق باب الفصل ورائي وأذهب إلى معلمتي. اشتكت لي من جسدها الذي يؤلمها كل شبر فيه، وقالت أنها لا تملك دفتري، فربّتُ على يدها وذهبت لأنزل السلالم حيث فناء المدرسة.

اعترض أحدهم طريقي وأمرني بالنزول من الجهة الأخرى، فعدت أدراجي لأرى سيلا من فتيات المدرسة يخرجن من الفصول وينزلن بدورهن من تلك الجهة لا غيرها. ملامحهن كانت متشابهة بشدة وكأنهن توائم. وحين نزلت آخر درجة قابلت مدرس اللغة العربية الذي علمني أن كل جسد المرأة عورة وأنا بعد بالعاشرة من عمري. سلمت عليه بودٍ وعلى الشاب الواقف بجواره الذي لم أعرفه، لأنه كان مقطوع الرأس. ولكني شعرت بميل ما نحوه.

عند خروجي من الباب الزجاجي تأملت حالي. كنت أرتدي ملابس شتوية أنيقة تصل عند الركبة، وتحتها شراب صوفي ثقيل. شعري مرفوع فوق رأسي، وقُصّة تتدلي على جبيني. كنت أكبر من عمري الحقيقي بسنوات كثيرة، مبتسمة وشاعرة بثقة غريبة بان أثرها على خطواتي الثابتة.

الأحد، 16 أكتوبر 2011

عن العشر دقائق التي لم يعرف عنها أحد !

سألت عن اتجاه الحمام. أغلقت بابه ورائي ووقفت أمام المرآة. عدّلت وضعية حجابي، خلعت نظارتي واقتربت. مسحت الكُحل الزائد، واطمأننت لطريقة رسم عيني الجديدة. وجهي كان صافيا، شفتيّ تحملان لونا باهتا محببا، حاجبيّ بهما تقوس طفيف ودرجة امتلاء كنت أطمح إليها. بقع النمش الخفيفة التي بدأت في الانتشار تتضح أسفل الإضاءة الصفراء. كل شيء يبدو مثاليا. أطلت النظر إلى عيني، ثم وضعت النظارة بحقيبتي وخرجت. نزلت إلى الشارع أبحث عن الهواء. رغم ضبابية المسافة أمامي مضيت بخطوات سريعة، ولم أتوقف لأحدد في أي اتجاه أسير كالمعتاد.

الأحد، 9 أكتوبر 2011

*لبرهة يؤلمني غيابك !

أستيقظ فارغة منّي

هناك أشياء محددة يجب الانتهاء منها

هناك صلوات عليّ أن أؤديها

كل شيء واضح

ولكن اليوم يضيع وأنا أرتب داخل عقلي

سأفعل كذا وكذا وكذا

وكل ما أملكه شعور بالفقد وليس الذنب

***

الأمور البسيطة حتى تلزم وقتا

هل أتناول الغداء الآن أم أنتظر عودتهن

هل أكتب الآن، أم أغوص في كتاب جديد

هل أستغل هدوء البيت الآن

أم أرجىء كل أمنياتي الصغيرة حتى يعود لصخبه

وأبحث عن ركن وحيد

متململة ومتزمرة لانعدام الخصوصية

والوقت والمساحة الكافيين

***

أدور حول نفسي في المطبخ

وأعرف أن عليّ تسخين الطعام

كل ما أريده الآن سد فراغ المعدة

سد الفراغ بين الشفتين

كل ما أريده الآن قُبلة

وأحلامي الليلية أخشي عليها

التحول إلى أفلام درجة ثالثة

لماذا لم يلمس يدي حقا، حين واتته الفرصة؟!

***

سأشعل النار

ولكن سأكتب هذه الكلمات قبل أن أنساها

وجرس الباب يرن بشكل مزعج

وأنا بالمنتصف

عاد للجدران الصوت العالي

***

سأتناول غدائي

وأنتظر تحميل الجزء الأخير من هاري بوتر

الشيء الوحيد الذي تحركني الحماسة نحوه

قد يقول رون لهارموني أنه يحبها أخيرا

وأنام قريرة العين لأنه رون وليس هاري

***

تدخل أمي المطبخ ولا تلقي بالا أني أكتب

كل ما تسأله لماذا لا أغرف الطعام

ماذا ستفعل لو أخبرتها

أني أريد العيش دون حجاب

ربما تعيد سؤالي لماذا لم أغرف الطعام

***

لن أفعل ما أريده اليوم أو غدا أو بعد غد

لا شيء يمنعني

ليس أكثر من يقيني أني لست هنا

منذ وقت طويل لم أعد هنا

في أحد الصباحات

استيقظت فارغة منّي

فتجاهلت الأمر

واكتفيت بظلّي ...



*العنوان يعود إلى الشاعرة اللبنانية سوزان عليوان

الجمعة، 7 أكتوبر 2011

!! .....Facts, facts, facts

الولد الذي يشبهني، يحلم بالسفر، ويكره صخب المدن.
الولد الذي يشبهني اقتحم منامي ليلة أمس
بينما كنت أستقل عربة السيدات بالمترو فأصر على الدخول معي.
جلسنا على إحدى الآرائك العريضة بمفردنا، وكلهن من حولنا واقفات.
الولد الذي يشبهني أحاط كتفيّ بذراعه
وتحركت يده تمسّد ظهري من أعلى لأسفل، من أسفل لأعلى...
بلطف ونعومة، وخدر لذيذ يسري...
عضلاتي ترتخي، وتنتظم أنفاسي.
الولد الذي يشبهني ....
يصرخ مستر جرادجرايند بجملته الشهيرة في أذني: "حقائق حقائق حقائق .."
أعرف من الآن أن شيئا لن يحدث ...
ولن تطولني منه لمسة يد خارج سياق الحلم ..
حيث أن الواقع مازال يفتقر لكثير من المنطقية !

الجمعة، 30 سبتمبر 2011

هدايا صغيرة

لأنه منحة إلهية فتُعطَى قبل أن تُعطِي، وتُكافَأ دون مقابل.
الله يمنح، الله يعوّض، الله يوصل بعد قطع.
الله يهمس لي بسر صغير، يجعلني أرى الحياة التي يريدها لي.
الله يصنع لي مصادفات ويكرر لي أحداث لا تظهر من الخارج كسابقتها ولكنها هى..
ليجيء ويؤكد لي شيئا واحدا، أن التخلّي أول سبل الوصول.
التخلّي عما ظننت أني أحب، لأصل وأكون محبوبة !

الله يكشف لي أنواع من الحب لا أدري كيف توجد هكذا قريبة منّي، ولا أدري كيف أستحقها ولماذا أستحقها.
الله ينقذني بالأسبوع الأخير من أيلول بعد أن كدت اصل إلى القاع بظلمته ورائحته العطنة !

بأوله يعطيني حضنا قويا من صديقة تخبرني خلاله أنها تبحث عن ملاذها داخلي وأنها متشبثة بي داخلها، فأكاد أبكي بمقدار حبّي لها !

بأوسطه يعطيني حضنا أكثر قوة ودفئا من صديقة ثانية تخبرني عن أشياء أفعلها معها دون أن أدري وتمثل لها دعما إنسانيا أعظم مما أتخيل. أراها تفكر لي، تشعر بالتفاصيل الصغيرة التي أغفل عنها وأظن أنها لا تُرى ببساطة، فلا أفهم كيف أكون لها دعما وهى من يسند ظهري !

بأوسطه أيضا يفتح الله لي بابا، لا أعلم حتى الآن ما قد يأتي من ورائه، ولكن وجوده أمامي كان مدبرا وليس محض صدفة عشوائية. كل ما كان عليّ فعله أن أتنبه لوجوده وأدير مقبضه ليُفتَح، ثم أنتظر ماذا سأرى !

باليوم الأخير من أيلول يمنحني الله حضنا ملوّنا، يبزغ فجأة من الضجيج والعبث والصداع والضحكات الزائفة على شفتيّ. يعطيني الله رضوى، يجعلها سببا في بهجتي بشيء أتمنى أن يكون معي ويتحقق هذا بنفس اللحظة لأول مرة، فقط لأنها رضوى. كانت موجودة فهزّت عصتها السحرية ومنحتني اياه بين يديّ دون تفكير.

في اليوم الأخير من أيلول ضحكت معها من داخلي وامتزجت ضحكتي برنّة صوتها العذب، واكتملت ضحكاتنا بقوس قزح، حلّت خيوطه من السماء لتسحبه وتضعه بحجري، لتعطيني غادة حضنا أخيرا قبل أن أرحل وتقول لي: لا تسمحي لأحد أن يؤذيكي ... لا تجلسي مع من يسبب لكِ الحزن !

الله يكشف لي محبته ويوصل بعد قطع، فيرسل لي غادة ورضوى في وقت استثنائي ويكرر لي مصادفات بأشخاص لا يربطني بهم سوى قدرتهم على رؤيتي وسط الزحام، واحساسهم بالسعادة لذلك !

الخميس، 29 سبتمبر 2011

على فكرة

(19)

أريد أن أغمض عيني وأنطفىء، وأولد من جديد نجمة تطل على أرض لم تعرف من قبل طريقا لخطواتي !

الثلاثاء، 27 سبتمبر 2011

! winter sonata syndrome

احم ... هذا البوست ضار بصحة كارهي النحنحة !!

كان ليّ ولد زميلي في المدرسة، مش هبالغ لو قلت انه شبه بطل المسلسل في الملامح إلى حد كبير، نظرة العين، الضحكة، تسريحة الشعر لما كان لسة صغير وشعره أسود. كان هو أول ولد مشاعري كبنت تتحرك ناحيته وآخر مرة شفته كان عندي حوالي 14 سنة .. لسة بفتكره كتير لحد دلوقتي وبفتكر مواقف بسيطة ليّ معاه وأحيانا بيجيلي في أحلامي كمان، بالذات لما أكون مضايقة أو مضغوطة من حاجة بتحصلي، ودايما بييجي عشان يصالحني وهو عمره ما كان سبب في زعلي. لحد دلوقتي عندي رغبة إني أقابله تاني، ولما اتعرض المسلسل أول مرة كنت في ثانوي وربطت بينهم بشكل لا إرادي، وأحيانا برضه لحد دلوقتي بتخيل إنه ممكن بعد عشر سنين زي ما حصل في المسلسل نرجع نتقابل تاني أو في أى وقت بشكل مفاجىء وغير مفهوم تماما. حاسة إني مدينة ليه بحاجات كتير مش عارفة ايه هى !

*أحمد رأفت صاحب طابع الحسن والعيون الواسعة اللي بتضحك لوحدها: أنا متشكرة أوي ... على كل مرة بحس إني مرتاحة فيها أول ما تيجي على بالي ... ببساطة كل ما أفتكر ابتسامتك، أتطمن ! *

:)







الجمعة، 23 سبتمبر 2011

والباب تحت البيت مش حديد !

يحدث كثيرا هذه الأيام، أن أبدأ بكتابة نص جديد، فأقف في المنتصف وأفقد الحماسة، أزيل السطور المكتوبة وأغلق الصفحة البيضاء دون أسف، أو أحفظها على ما كتبته على أمل أن أعود إليه وأنا أعرف أني أبدأ في نسيان أمره من الآن !
***

يحدث كثيرا، أن أنير ضوئي الأخضر وأنا جالسة أتفقد صفحات ونوافذ عديدة، معلنة أني مهيئة الآن للحديث، ولكن بعد دقائق أفقد اهتمامي وأسألني ما الفائدة، ليس هناك جديد، ستظهرين دائما الفتاة المحتاجة للمساعدة، أو ستصدّرين حسك الساخر في المقدمة، أو ستشعرين بألم خفيف للمرة المائة بعد الألف !
***

يحدث أني أبحث عن فيلم جيد للتحميل أو منسيّ بين كل تلك الاسطوانات، ولكن إما تكون النسخة رديئة أو بها عطب، أو أشعر بملل سريع بعد أول عشر دقائق فأغلقه وأبحث عن آخر لينتهي بي الأمر ممدة على الأريكة أستمع لصوتي الخاص مع افتقادي لأن يكون البيت فارغا، حتى أستطيع تشغيل مكبرات الصوت كما يحلو لي والاستغناء عن سماعات الأذن التي أصبحت عضوا زائدا على جسدي !
***

للداخل دوما، كل الأصوات للداخل، ويحدث أيضا بين النوم واليقظة أن أشعر بمدينة كاملة داخل عقلي، أشخاص يتحدثون في سوق أو تجمع كبير بأحد المقاهي .. أستمع إليهم وإلى حوارات كاملة تدور بينهم، أحيانا يتحدثون بلغة أجنبية، أحيانا يقرأ أحدهم أبيات شعرية لا أدري من أين جائت، أحيانا يدلي أحد آخر بنظرية أو حكمة قصيرة تلخص إحساسا عاما مبهما بداخلي ... دائما يقولون أشياء هامة، ودائما ما أنسي كل شيء حين أفتح عيني وأتنبّه، لا يعلق بذهني حرف واحد من صخبهم ولا أدري إلى أين ذهبوا !
***

يحدث أني أرغب بمحادثة أحد الأصدقاء أو بعث رسالة نصية صغيرة أرغب فيها بحق الاطمئنان على الحال أو التعبير عن افتقادي ووحشتي، ولكني فجأة لا أستطيع، وكل ما يدور في رأسي أني أصبحت كائن خارج الدوائر، خارج السياق، ويرن في رأسي كلمات من تمنيته أبي وكلما رأيته رغبت فى احتضانه: "جو الدنيا ضبابي / ولا حد حاسس بحضورك / ولا حد حاسس بغيابي"*
يحدث أنه لم يعد لي أصدقاء، والإحساس الساذج بالسعادة الغامرة أننا سنكون معا بعد غياب يتبدد، ويحل محله كذبة صغيرة تجعلني لا أعرف كيف أصدق بسهولة بعد ذلك، وتجعلني أفكر جديا فى التعود على العيش بمفردي. لا أستطيع، لأني أريد فقط أن أكون قريبة من أحدهم، ولكني لست على يقين أني أمثل هذا الفارق. ويحدث أن أسال ما الضرر إن بقيت هكذا، لا بعيدة ولا قريبة. ما أملكه ليس لي على أية حال !
***

يحدث أني أبكي الآن رغما عني، بعد أن تعلمت شجاعة ألا أتردد في إظهار ضعفي. أمسح دموعي سريعا خشية أن تدخل إحداهن عليّ فجأة وتستنكر عليّ حرية أن أبكي وقت ما يحلو لي ودون شرط إبداء الأسباب. أتنفس بعمق وأنتظر رحيل ذلك الضيف الكريه صاحب الرائحة النفاذة المدمرة للأعصاب، وأتمني ألا يكون التهم تورتة الشيكولاتة بأكملها !
***

حدث أن كتبت إحدي النساء الدافئات بحياتي تُعرّف الأسي، وكيف يكون الاحتفاظ بابتسامة محايدة أواجه بها كل أفراح وكوارث العالم دون تغيير طفيف في ملامحها، كيف يحدث ألا يحدث شيء، أستيقظ لأمرر يوما زائدا من عمري، وأنام ليأتي سريعا الذي يليه. أريد لأيلول هذا أن ينتهي، وكأني في بيات خريفي إلى أن يأتي نوفمبر، تبدأ وتنتهي عنده كل الأشياء !
***

يحدث أني دائما أتخيل السفر فجأة، أو المرض فجأة، السعادة فجأة، أو الحب الآن ... هكذا، بسيطا ومفاجئا. ولا أريد له أن يأتي أبدا في نفس الحين. فحدث أني لم أستطع التفاعل في إحدى حفلات فرق الروك الشرقي الصاخب وظللت جالسة مكاني طول الوقت، أتمايل قليلا مع بعض الجمل اللحنية، وأصفّق في النهاية كإجراء روتيني، فتتردد في خلفية رأسي جملة لا تنتمي لهذا المكان: "عشان خاطري بلاش تبصلي تاني بالنظرة دي، نظرة إنك عمال تخبط ع الباب وأنا قاعدة جوا وعارفة إنه انت ومصممة إني مافتحش. ماتبصليش كدا يا إما تكسر الباب، يمكن مش عايزة أقوم أفتح لأني فعلا عايزاك مرة تكسر الباب ..."
وحدث أن الحفلة انتهت وذهبت دون الشعور بانفراج أية أبواب !
***

الحادث أني زاهدة في الكتابة وفي أية نشاطات حيوية غير الرسم. عادت إليّ الألوان بطريقة ما، وانفعلت معها لأني لم أتوقع استمرار إحساسي بها بين يدي بنفس الطريقة حتى الآن، رغم جفائي وهجراني . تفاجئت بلوحة لزُهرية فارغة، تنمو فروعها الخضراء خارج عنقها الضيق. وقفت بذهول أمام تكوين لوجه فتاة غير متناسقة الملامح، جمعت فزع البشرية بأكملها في عينيها. والثالثة لم أنهيها بعد، بوجد بها بحر هائج وقمر نائم، مركبين وروح فتاة تحلق من فوقهما !
***


أخيرا، أخيرا عرفت لماذا بُنيت الأهرامات، حدث أني رأيت فيلما تسجيليا يشرح عملية معقدة عن نظام البناء وتخيُّل العلماء الغرض منه ونفْي إدعاء أنه ليس أكثر من مقبرة. علمت أن هناك مجالات مغناطيسيا تتقاطع، وطاقات تتولد، أن الطاقة موجودة بداخل كل صور الحياة حولنا، وأن الهرم الأكبر بُني في مجال تقاطُع أحد المجالات، وأنه مبني من الحجارة الكلسية، وتحته أنفاق من نفس نوعية الحجارة تتخللها ثغور كان ينفذ منها ماء النيل محملا بأشعة الشمس التي يمتصها، فتنتج طاقة، ترتفع في القنوات الموصلة إلى داخل الهرم، تحدث بعض التفاعلات بشكل أو بآخر، فيضيء الهرم ليلا كالبدر في تمامه. تحدّث المعلّق عن الأثار النفسية الايجابية لمن يعيش في محيط مثل هذا المكان. كانت أمي تستمع وعلقت بدورها أن بيتنا ليس به طاقة. أجبت أن الشمس لا تدخله من الأصل، وعرفت بطريقة ما لماذا نحن تعساء !
***


بالخارج رحل الرجل الكريه أخيرا، وجدالا أعرف أنه لا محالة قائم بين أمي وأختى. رغبة أمي في القفز إلى تفاصيل الزواج، وحذر أختي وتأكيدها أنه ليس من المضمون إتمام الخطوبة من الأصل. أشعر بالغضب كأنها تقف في منطقة البين بين، تحاول إقناع حالها أنها قد تكون هى الفرصة المنتظرة وليس من التعقل أن ترفض المبدأ من بابه، ومن ناحية أخرى تحاول طمأنة روحها وقلبها الرافض أنه قد يحدث أي شيء ينسف الفكرة من أساسها. لا تريد أن تكون هي من يأخذ القرار بالرفض، مع أنها التي وافقت على فتح الباب من البداية. يحدث أني ألعن الزواج في كل دقيقة الآن وأضحك كلما تذكرت قول صديق افتراضي جميل تعرفت عليه مؤخرا ويعاني في بيته من نفس الظروف: "يا جدعان أنا مش هتجوز، أنا هنحرف !!"
***


حدث عندما رأيته ذلك اليوم، لم أكن أنوي يومها الخروج وعبور باب البيت، وما أن التقت عيني به مرت جملة سريعة بخاطري، أني أعرفه جيدا. كان دافئا رغم أني لم أنتبه كثيرا لوجوده، ولكني كنت ألمحه مستمعا، مبتسما، يحمل تلك النظرة الهادئة التي كنت أسأل قبلها بأيام، هل من الممكن أن يملك رجل تلك النظرة وهو ليس متزوجا أو غير متورط بعلاقة مفتوحة. نعم كان يعتريه قلق خفيف ككل تلك الوجوه المضجرة بعناء البحث عن مرفأ. ما أن ألتفت إليه حتى أشعر وكأنه ثمة من يعلم بوجودي وينتبه له. نظرته مميزة، مريحة، ودعابة صديقتي في نهاية اليوم عندما خيرتني بالذهاب معها ومعه أم مع الآخرين وقلت لها دعيني أذهب معكِ، فقالت تتحدث عنه " تعالي *** ابن حلال والله"، حينها نظر نحونا بعد أن سمعها حاملا نفس الابتسامة الواسعة الدافئة، فأدرت وجهي وتمنيت لو أتلاشي من شدة خجلي. قالت بعدها أن حياتها لتغيرت بالكامل لو كان مناسبا لها، وحدث بعدها أن ارتطمت كثيرا باسمه هنا وهناك، أسفل صورة أو قصيدة نثر مرعبة في جمالها. حدثت نفسي أن لو أتى اللقاء الثاني، فأتمني من أحد أن يطفيء عقلى ويفتح جميع أبوابي الداخلية الصدئة. كيف لم أشعر بكل هذا الجمال وهو إلى جواري؟!
***

قبل ملايين السنين من يومنا هذا لم يحدث أن كانت هناك حياة. الأرض كانت عبارة عن كرة ثلجية متجمدة من القطب إلى القطب مرورا بخط الاستواء. فسّر العلماء ذلك بنقص شديد بنسبة ثاني أكسيد الكربون الذى يساعد على تدفئة الأرض. بقي الوضع هكذا لمدة 25 مليون سنة، وفجأة حدث أن انشق بركان هائل واندفع من تحت الأرض، الغازات المندفعة منه إلى جانب الحمم البركانية أعادت التوازن مرة أخرى وذاب الجليد، في حين أن أشعة الشمس الساقطة على قطرات المياة تفاعلت معها وأنتجت نسبة هائلة من الأكسيجين الذائب، فتحولت البكتيريا الزرقاء وحيدة الخلية والمقيمة أساسا بمياة المحيطات إلى كائنات متعددة ومنقسمة الخلايا وأخذت دورتها في سلسلة التطور. يكفي أنها في العصر الجليدي كانت تستطيع التكيف مع الظروف المستجدة طيلة هذه المدة بطريقتها الخاصة حتى جاء الدفء مرة أخري. تقول عالمة جيولوجية أن كرة الثلج كانت أشبه بكارثة، لكن في مضمونها كانت بداية لحياة جديدة، وسبب في وجود حياة متنوعة حتى يومنا على سطح هذا الكوكب. 25 مليون سنة إلى أن أتى البركان ... أظن أنه مهما طال البرد، فلن يستمر !
***




* الأبيات لأمين حدّاد !








الاثنين، 5 سبتمبر 2011

على فكرة

(17)
من يومين كنت بسوّي قهوة بس فارت منّي وأنا واقفة قصادها. دلقتها في الحوض وسويت فنجان تاني، رحت عشان أشربه فى الصالون وأكمّل قراية "نساء يركضن مع الذئاب" على اللاب توب. بعد ما خلص الفنجان كنت وصلت للفقرة اللي بتقول:" ونحن نعرف أن جوهر الروح يمكن جرحه أو حتى تشويهه، بيد أنه من المستحيل قتله. من الممكن إيلام الروح أو قسرها، إيذاؤها أو جرحها، من الممكن أن نترك عليها علامات السقم واصفرار الخوف، إلا أنها لا تموت. (...) فالعظام ثقيلة بدرجة كافية لأن نجرح بها، حادة لتشق مجراها في اللحم، وعندما تكبر فإنها ترن كالزجاج عند النقر عليه"
وقفت قدام الكلام شوية، وغيرت قعدتي عشان أسند اللاب على رجلي، وفجأة سمعت صوت حاجة بتقع. بصيت تحتي، وفضلت ساكتة مكاني لدقايق وأنا مستغربة إزاي لما الفنجان وقع على الإزاز بتاع الترابيزة فضل سليم، والإزاز هو اللي اتشرخ !

(18)
مغلوبة على أمري بلاقيني مبسوطة، أول ما بحس إنك فعلا وحشتني !

الاثنين، 29 أغسطس 2011

aphthous ulcers*

أعتقد إن كل حاجة اتجمعت واتكثفت وحصلت عند النقطة دي: "الآن أصبح الهدف من كدها اليومي هو العمل على إشباع الروح والسعي إليها، ولم يعد محصورا فى نطاق ذهني ضيق أو وظيفة محدودة أو علاقة قاصرة، تعرف الآن بفطرتها متى يتحتم أن تموت الأشياء ومتى ينبغي عليها أن تحيا، وكبف تبعد وكيف تبقي"**

****

خليني أرجع من الأول !!

حكولي اني اتولدت في المدينة يوم جمعة 13 رمضان (أول يوم بالأيام القمرية)، خرجت للحياة ساعة آدان العصر، بمستشفى جنب الحرم النبوي، على ايد دكتور سوداني !

لحظتها كانت أول مشكلة واجهتني بحياتي، عندي مشكلة في التنفس، ودا كان نتيجته اني قعدت 17 يوم بالحضّانة، بعيدة عن البيت، بعيدة عن أمي، عايشة في صندوق إزاز جوا أوضة معقّمة، درجة حرارتها مظبوطة، مفيش صوت حواليا مش في مكانه ... 17 يوم لوحدي فى حالة انعزال وصمت، مارضعتش طبيعي وأول حاجة دخلت معدتي كانت مضاد حيوي. بابا كان الوحيد اللي بيزورني، كان بيزغزغني فى رجلي عشان يتأكد إني لسة معاهم !

حكولي إنه جدتي لأمي كان زعلانة لأني برضه بنت، وأمي تقريبا كانت واخدة على خاطرها، وإنه فيه صديق لأبويا تنبأ لي ساعتها بمستقبل عظيم إني لما أكبر هكون أحسن واحدة فى العيلة دي كلها. الفكرة، ماكنتش موجودة أصلا ف الخطة، اخواتي الاتنين كانوا كفاية، بس اللي حصل انهم اتفأجوا بوجودي !

بابا قال إني هكون العصايا اللي هيتسند عليها بعد ما اخواتي يسيبوا البيت وهو يكبر ويعجز، أنا اللي هفضل معاه، ومش هيشرب كوباية المية إلا من ايدي......... كانوا عايزين يسمّوني هاجر أوخديجة أو زينب، أسماء إخواتي غيّرت رأيهم. شيرين ودينا ما ينفعش ييجي بعدها إلا نُهى، وبنفس الوقت اسم موصول ذكره بالقرآن، دلوقتي بقيت أسمعه أكتر فى الأغاني !

حكولي كمان، إنه بعد كام شهر كنت فى البيت، مفيش حد معايا إلا بابا. بالصدفة فتح باب الأوضة عليّ عشان يكتشف ان التكييف سحب كل دخان عربيات الرش من برا في الشارع، والأوضة كانت عبارة عن ضباب. خرج بيَّ من العمارة كلها، وربنا ستر !

****

كنت طفلة هادية مابتحركش كتير من مكاني على حسب كلامهم، دا كان بس فى البيت. في الشارع أول ما رجلي تلمس الأرض يبدأ الطقس المعتاد، أطلع أجري فى السوق بدون أي داعي وهما يحاولوا يلحقوني قبل ما أتوه. مرة نزلوني ع الأرض وبرضه طلعت أجري بس كنا ساعتها بمستشفي. اتخبطت جنب عيني الشمال فى حرف مراية كبيرة معلقينها بالاستقبال ونزفت. كانوا رايحين أصلا عشان سبب تاني بس اللي حصل إنهم جريوا بيَّ زي المجانين يلحقوا الجرح والدم اللي نازل منَّي. لما سألت ماما قالت إني كنت ساكتة طول الوقت، ماعيطتش ولا خفت وكأنه شيء بيحصل لحد تاني غيرى. أثر الجرح لسة ظاهر تحت عيني لحد دلوقتي، وبتنرفز من منظر الدم قدامي !

بعدها بكام سنة، أنا بقيت واعية ومش محتاجة حد يحكيلي وفاكرة كويس اللي حصل. بلعب ورا بيتنا القديم وواقفة فوق جزع شجرة مقطوع. نطيت من فوقيه عشان أنزل على غطا مكسور لبلاعة مجاري .... أمي أنقذتني فى الوقت المناسب، لمحت خيالي فى الميّة فمدّت ايدها طلعتني، وأنا تحت بحاول لسة أستوعب هو ايه اللي بيحصل. بابا كان آخر واحد يوصل البيت بعد ما بيوت الشارع كلها اتلمت عندنا على صوت أمّي. كنا تقريبا ساعة العصرية وأمي لفاني بفوطة كبيرة بعد ما استحميت ومقعداني على حجرها. دخل من الباب هادي ومبتسم، تقريبا فاكرة إني ساعتها ضحكت !

ولسة بخاف أنزل البحر ورافضة أتعلم العوم نهائي !!

****

الدنيا مشيت لطيفة أحياناً ورديئة أحيانا، كان عندي حساسية موسمية على صدري، بتجيلي كل شتا لحد ما بقى عندي 9 سنين، وفي نفس الفترة تقريبا كنت بعاني من صداع مزمن، كان سيء لدرجة بشعة، بس كل نتايج الأشعة المقطعية وفحوصات الدكاترة أثبتت إني سليمة مفيش أي مشكلة عضوية بعاني منها !

أول مرة فقدت فيها وعيي وأنا عندي 10 سنين، كنت واقفة الصبح فى طابور المدرسة. أول مرة فقدت فيها حد قريب وأنا عندي 11 سنة، لما بابا مات، قضيت بعدها أيام كتير ساكتة بفكر إزاي دا بيحصل. أول مرة اتحركت فيها مشاعري ناحية ولد وأنا عندي 12 سنة. أول مرة لبست فيها الحجاب وأنا عندي 13 !

****

الفجوات الزمنية ليها مساحة كبيرة، عقلي أحيانا بيواجه قصور استعادة تفاصيل أوقات بعينها، مش هبالغ لو قلت انها ممسوحة من ذاكرتي مسح، ومفيش أي شيء مشترك مع الأطفال في نفس سني ممكن يربطني بيهم دلوقتي، كان ليَّ تاريخى الخاص، او ماكنش فيه حاجة بتحصل، مفيش حاجة أحكيها . إلا لو حد طلب منيّ أحكي عن أيام محلة موسي اللي بتجيني فى الأحلام لحد دلوقتي، وأحكي لما في يوم بعد العصر وكلهم نايمين وبابا عند جارنا قررت إني أهرب م البيت وأروح أستخبى عند واحدة صاحبتي فى آخر الشارع بعد ما أمي رفضت إني أخرج ألعب إلا بعد ما هما يصحوا م النوم. ساعتها بيوت الشارع كلها اتلمت تاني وأمي دورت عليَّ فى الترع والمصارف لاكون عملتها بجد. ما أنقذنيش منها غير بابا وهو واقع م الضحك بعد ما رجعتلهم و بيحاول يفهم أنا عملت كدا ليه !

****

في سنة أولي جامعة، ظهرت عندي أعراض مرضية جديدة، حساسية وحكّ جلدي بمنطقة معينة من جسمي ، الدكتور قاللي انه مفيش سبب عضوي واضح غير انه فيه مناطق معينة من الجلد بتكون ضعيفة بطبيعتها –أنا شخصيا بفسرها بقصور في نمو الخلايا – والعامل النفسي زي التوتر العصبي والوقوع تحت ضغط بيساعد على وضوح الضعف دا بترجمته إلي مرض عضوي. فهمت بعدها انه فيه مادة اسمها الهستامين هي اللي بتسبب الحساسية لما نسبتها بتزيد فى الدم نتيجة لحدوث أي اضطرابات، النسبة الزيادة دي كفيلة بإنها تأثر على الشعب الهوائية وتخليها تنكمش، لو النسبة أعلى فالحالة بتتطور إلى انسداد وصعوبة شديدة فى التنفس ممكن تأدي فى بعض الأحيان إلى الوفاة ... دا اللي كان مكتوب فى النشرة الداخلية لمضاد الهستامين.

خفيت من الحساسية بعد ما السنة خلصت وحولت لكلية تانية. وإن كانت بعد فترة طويلة رجعت تزورني تاني فى نفس المكان على فترات متباعدة وتمشي تاني لوحدها. دا ممكن يفسر السبب في النغزات اللي كانت بتجيلي فجأة بصدري ناحية الشمال، إحساس انه قلبي بيتعصر، وبينتفض من مكانه. فترة عدت عليَّ كانت النغزات شبه مستمرة ولما تيجي ممكن تقعد لمدة عشر دقايق متواصلة. لكن نفس الكلام قاله الدكتور، قلبي سليم، مفيش شبه احتمال واحد بيأكد انه عندي مشكلة عضوية. كلامه كان معايا بعيد عن الطب، سألني عن طبيعة حياتي وبقضّي يومى إزاي، وطلب من أمي تسيبني أخرج بشكل منتظم مع صحابي وأغير جو وأروح أماكن مختلفة، ومفيش مشكلة حتى لو جربت مرة وأكلت من الشارع هو نفسه بيعمل كدا !

****

الشهر دا كان أول مرة من فترة طويلة ترجعلي النغزة تاني، قعدت يوم ومشيت، وبعدها بكام أسبوع قضيت اليوم كله فى السرير بسبب صداع هو الأسوأ من نوعه من سنين، لحد دلوقتي مش قادرة أحدد سببه إذا كان مقدمة صداع نصفي أو التهاب جيوب الأنفية، أو مجرد الإحساس اللي سيطر عليّ قبلها بيوم لما حسيتني محبوسة، محشورة فى زاوية معينة ومستمرة في أخد خطوات عارفة انها ماتناسبنيش، كله لأني لسة مش عارفة البديل .... اليوم اللي بعده كنت لسة بعاني من آثار الصداع وخرجت أفطر مع ناس كتير، الدنيا كانت حرّ و دوشة ودخان السجاير كان معبّي المكان. قبل ما أمشي بربع ساعة قعدت أنا وغادة وسمية نغني سوا بصوت عالي، ولما روّحت اكتشفت اني مش حاسة بأي ألم أو وجع وإن الصداع خفّ تماما !

****

أيام بسيطة عدّت، صحيت م النوم فجأة بألم شديد فى لساني، أغرب مكان ممكن يوجعني فى جسمي !! أخدت أدوية إجرائية والألم مستمر، وهنا كان لازم ييجي دور الدكتور. ماسابش هنا أي فرصة لأي سبب تاني ورا الألم، كان ممكن تكون حاجة سخنة شربتها، بكتيريا أو فطريات. لكن قاللي بكل وضوح وثقة إني عندي قرحة بلساني وأنه سببها نفسي فى المقام الأول نتيجة الوقوع تحت ضغط ذهني ونفسي شديد. شرح لي إنه جزء من الغشاط المبطن للسان اتشال بالبلدي يعني، أو بتفسيري أنا، الخلايا اللي بالمنطقة دي قررت انها تنتحر وماتت، لأنها كانت أضعف من تحمل الضغط فمشيت وسابتني ببساطة .....

اندهشت لكلام الدكتور، وماكنتش متخيلة ان كل الأسباب هتفني ويبقالى السبب دا فى النهاية. ما فكرتش غير فى حاجة واحدة، الجزء الصغير الحي منّي اللي قرر انه يمشي وما يرجعش. غير الجزء اللي كان بلساني ممكن يبقى فيه مناطق تانية أنا معرفهاش، فى المعدة، فى المخ، فى الرئة ... أو فى القلب. وأنا بعاني دلوقتي وبتألم عشان أرمم مكانه، مكان الحفرة اللي خلقها وراه !

****

ايه هي مسببات حزني، ايه اللي ممكن يخليني حزينة أو شبه تعيسة دلوقتي مع إنه مفيش أشياء كارثية بتحصل. حياتي عادية، عادية جدا، وبالذات الأيام دي، شبه خاوية وفارغة أكتر من أي وقت تاني. ممكن الحاجات اللي بتمشي، والحاجات اللي دخولها أصعب م الأول. الصدمات الصغيرة اللي بتهز ثوابت كانت صمام أمان وبتنجّيني وأنا على شفا الوقوع. مش أنا لوحدي اللي بيحصلى كدا يعني، مش أنا لوحدي اللي بسقط سهوا من حسابات الدفا والمحبة والقرب في أوقات، وبتتخلق بيني وبين الناس مسافات في أوقات تانية، مش أنا لوحدي اللي بحاول أدور على دواير جديدة تناسبني تقلل شوية من إحساس السقيع والجمود وبلاقيني متعلقة في منطقة برزخية بين البينين وماعنديش طاقة كافية للبدء من أول وجديد. مش أنا لوحدي برضه اللي استغلت فرصة كون الدنيا بقت فاضية وساكتة حواليها فقررت تصاحب نفسها ودا يكون نتيجته انها تكتشف حقايق صغيرة عن حالها كانت موجودة طول الوقت، بس هى مكانتش عايزة تشوفها. مش أنا لوحدي اللي عندها 23 سنة ولسة بتحاول تعرف فين أول سكة اللي هتمشي فيها أول خطوة، مش أنا لوحدي اللي لسة ماتقلهاش كلمة بحبك أو حتى معجب بيكي، مش أنا لوحدي اللي بتحاول تقتنع انها لسة صغيرة أوي وإن الحياة لسة ياما هتشيل وتحط.

****

تلات حاجات مسيطرين على تفكيرى: لما كنت صغيرة أوي، وبابا كان ينام ع السرير ويتني رجليه عشان يعملهم مسند ويسند ضهرى عليهم، ويحركهم بشويش يمين وشمال عشان يخليني أنام.

رغبتي إن عايزة أفتح باب الشقة وأطلع أجري.

تفسير غادة لحلمي لما أخدتني من ايدى وشدتني معاها عشان كانت عايزة تروحني البيت، تفسيرها بإنه البيت دا مش مجرد المكان اللي بسكن فيه، دا مكاني الحقيقى، المكان الوحيد اللي ممكن أنتمي ليه بقية عمرى. وفي نفس الوقت تركيزى فى الحلم على حزني وهلعي وخوفي من الأشباح اللي بتطاردني وعايزة تقتلني وعياطي لغادة وكلامي وسط دموعي انه مش هينفع، وهى مصممة تشدني من ايدي وتروحني البيت !

***




*الاسم العلمي لمرض قرحة اللسان

** من كتاب "نساء يركضن مع الذئاب" لكلاريسكا بنكولا