قرروا يرجعوا قبل ما الدنيا تغيّم، ماشيين براحة على اللسان الطويل وساكتين، زى ما يكونوا بيفتكروا حاجة سابوها وراهم على الصخرة الكبيرة عند الفنار. مفيش حاجة كاسرة الحاجز ولا مونّساهم إلا صوت الموج، ريحة اليود، وطعم الملح على شفايفهم .... قبل ما تسيب كل حاجة وتمشى كانت عايزة تزور البحر، لوحدها .. زى ما هى دايما.
لقيته قصادها، عشان يصعّب عليها الحاجات أكتر، وعشان يحس فجأة انه اتسرق وضاعت منه ثوانى كتيرة لما قالت: أنا مسافرة.... براحة وبهدوء وابتسامة محايدة، وهو يبصلها بنظرة محايدة ويسأل روحه: المكان دا كان صغير وضيق من الأول وللا أنا متهيألى؟ بس يجاوبها: كويس ... دا خبر كويس.
و هى قاعدة قصاده تبعد بوشها ناحية الحيطة الإزاز جنبها وتسمع حاجة بتناديها، فتقول: وعايزة أروح البحر.
أنا مسافرة ... وعايزة أروح البحر !
راحوا أبعد نقطة عند الفنار، بيتكلموا وهما قاعدين ع الصخرة الكبيرة كلام اتنين عاقلين .. واثقين .. راضيين. مفيش حاجة ممكن تكسر الايقاع المترتّب المتنظّم إلا لما يقوم ويسبقها، عشان هى تقف مكانها شوية تاخد آخر نفس من بحرها وتشبع منه. فيقف يتفرج عليها من ضهرها والشمس المروّحة راسمة حواليها هالة نور، ويحس انه لازم يمشى دلوقت ... زى ماكان بيمشى فجأة كل مرة. بس ماينفعش يفسد عليها لحظتها، دى آخر مرة .... آخر مرة لحد عدد من الأيام اتلخبط فيها واتبعترت من بين ايديه.
عايزين حاجة تانية ممكن تشذ بالايقاع تماما عن النوتة المرسومة؟ تلتفت وراها مثلا فتلحق آخر لمحة من نظرة عارفاها كويس، فتاخد بالها لأول مرة انه فيه اتنين واقفين لوحدهم عند أبعد نقطة على البحر.
ماحدش يقلق، وهى بتعدّى لوحدها من الصخرة للسان مش هتتكعبل ولا تقع فى الفراغ البسيط اللى ما بينهم، فمش هيضطر يمدلها دراع يسندها بيه. نطَّة واحدة وهتلاقى نفسها واقفة جنبه، وهو هيسألها: خلاص ....؟ فتقوله: خلاص ....
هيمشوا براحة على اللسان الطويل، مفيش حاجة كاسرة الحاجز ولا مونّساهم إلا صوت الموج، ريحة اليود، وطعم الملح على شفايفهم. تحسب هى المسافة الفاصلة بينهم وبين أول اللسان، وتقول: كل حاجة واحشانى من دلوقتى ...!!
رد الفعل ممكن ييجى ببساطة وبسرعة أوى كدا؟!! وقف مكانه فجأة فسبقته خطوتين .. وقفت وبصتله. هيحصل ايه؟
_ هو ... أنا فيه حاجة لو عملتها دلوقتى ... هتتضايقى؟
_ ...... معرفش ... حاجة ايه؟
_ .... ينفع أحضنك؟!
_ .........................
_ ............. أنا آسف ... تخيلى كأ........
_ كان هيحصل ايه لو سألت بدرى شوية؟
_ ..... يعنى مش متضايقة؟!
_ انت عايز تحضننى؟
.... يهز راسه انه أيوة
_ وعارف انت ليه عايز تحضننى؟
ياخد نفس ويكتمه، ويهز راسه بأيوة
_ طيب .. أنا عايزاك تحضننى ... وعارفة أنا ليه عايزاك تحضننى .....
ماستر سين مش كدا برضه؟؟
طبيعى نلاقى الشمس صعب عليها تمشى قبل ما ترش ع الخلفية ألوان بنفسجى ... برتقانى .. وأحمر، وتستخبى شوية عشان تراقبه وهو بيقرّب ومش عارف يعمل ايه، فتحاول تفهمه انه ينجز بسرعة عشان القمر مواعيده مظبوطة وهييجى يستعجلها دلوقتى. تقريبا سمعها، فلمس بايده دراع البنوتة، وهى فضلت واقفة مكانها ثابتة وفى جسمها رعشة خفيفة. عينيها كانت ابتدت تدمّع؟ اللى حسّت بيه انه قرّب منها أكتر، صدره لمس صدرها وراسها قرّبت من كتفه، فحاوطها بشويش بدراعاته الاتنين، وهى رفعت ايديها فى حركة تلقائية وسندتهم على كتافه. سمع صوت نهنهة خجلانة طالع منها، حاول يتماسك أكتر بس لاقاها ضغطت بايدها على كتفه زى ما تكون خايفة تقع.
كان هيحس بيها خفيفة وهشّة كدا لو ماكنش حضنها؟ كان هيكتشف انه مش عايز ياخد منها أكتر ما عايز يديها، وانه عنده حاجة يديهالها، لو ماكنش الموقف دا حصل؟
*****
الشمس قالت للقمر: والنبى ادينى فرصتى شوية يا أخى ... وسألت روحها هو ملمس ايده على ضهر البنوتة عامل إزاى؟ وليه الحضن ممكن يخلّى الواحد يعيط؟ ... مش هتفهم عشان عمر ما حد حضنها قبل كدا، وصوت النهنهة كان بدأ يعلى، فسند الولد راس البنوتة على كتفه بايد، والايد التانية حضنتها أكتر ومشيت على ضهرها تمسح وتطبطب عليه، وعينيه بتحاول تمسك نفسها، وشفايفه كان ودّها لو تطبع بوسة على رقبتها ...
اكتفى انه يضمها أكتر، ويسيبها تبكى .. تدفن كل حاجة جوا صدره، ودموعها تغرقه أكتر وأكتر.
حكاية مفتعلة أوى صح؟؟ سألت روحى وأنا بكتب. طبيعى .. مفيش كدا فى الدنيا أساسا ! ... ويمكن عملت كل دا عشان أوصلهم للنقطة دى فى النهاية، ماكنتش شايفة غيرها قدامى، مع انه كان ممكن تحصل حاجات تانية. ممكن يكونوا اتقابلوا ومشيوا من غير ما يحصل حاجة، ممكن يكونوا لسة قاعدين قصاد بعض فى المكان اللى حيطانه إزاز بيتكلموا كلام اتنين عاقلين، يمكن لسة ماشيين ع اللسان وخلاص كلها خطوتين ويوصلوا لآخره، يسلموا على بعض ويفترقوا. يمكن ماتكونش قابلته وفضلت لوحدها، يمكن ماراحتش البحر أصلا ولا راحت أى مكان فى العالم من أساسه.
ومع ذلك، كل يوم بستناها ترجع من السفر، وماعنديش دلوقتى غير إنى أحكى عنها حكايات مابتحصلش !!
أو ممكن يكونوا ما اتقابلوش خالص .. بس خيال كاتبة المشهد .. اللي عندها الأبطال .. مش هاين عليه يبقى ماسك البطلين دول في ايده وما يتقابلوش .. فبيخليهم يتقابلوا بالعافية ..
ردحذف