هناك، كان الباب الخشبى يُفتح بصوت تُعرف به الأماكن المعتّقة، السكينة تطير بخفة، متى انتبهت لها؟ عندما نظرت للوحة معلقة بين مصباحين وكأنها أمى التائهة؟ أم عندما ميّزت همس الملائكة؟! الهدوء المُسدَل يرعبنى حين يتردد صدى الصوت القوى لباب يُغلق فجأة، لكرسى يتحرك من مكانه، لشىء يتحرك من داخلى. مسكينة الكائنات التى ينقصها التوازن بين صمت خارجى وضوضاء داخلية. مسكينة أنا، أصواتا كثيرة متداخلة تصرخ ولا أفهم لغتها، مسكينة لأنى استيقظت على كل هؤلاء يتشاجرون داخل صدرى. أغطى شعر رأسى، أشعل شمعة، أجلس على المقعد الخشبى، أضم يديّ أمام وجهى، ربما تتغير الاستجابة بتغير طقوس الدعاء
أمن الخطأ الشعور بالراحة فى مكان لا يخصنا؟ يرحل السؤال عن حزن صديقتى ، يصعد إلى السماء، يستعلم إلى أى أرض ننتمى، إن كانت أرواحنا ملكنا أم ضّلت الطريق إلينا، وأى الحيوات ترفضنا، وأيها ترحب بنا.
مسألة الهية موحدة تعيد صياغتها يد البشر. تصنع الحواجز والحوائط الأسمنتية، ويتسابق الجميع أى الصروح أعلى، أيهم سيرتفع أسرع حتى حافة الجنة، ونحن كالأطفال اللقيطة، تنتظر النطق بالحكم فى قضية اثبات للنسب، وفى الانتظار يصيبنا الملل ممن يَقتلوا ويُقتلوا فى سبيل وراثة الإله. أكان يشعر هو أيضا بالملل فخلقنا؟ يتردد سؤال صديقتى هذه المرة فى الصعود، وأنا أظن عدم معرفتى الجيدة بخالقى، لأنى لا أعلم ان كان سيغضب أو يتفهم بروح أبوية. ونحن عبئا ثقيلا على أرواحنا، لم نفهم مغزى الحياة، لم نفهم بعد لمَ نصر على رغبتنا المطلقة فى أن نذهب هناك ونترك هنا، أى مكان وحياة ليست هنا، أيا كان موقع وتوقيت ال"هنا"
هناك، وصوت احتراق الشمع يذكرنا بسقوط جزء جديد من ذاكرتنا ،كانت القديسة تدعو الإله: "حقق إرادتى فى السماء كما تممت تحقيق إرادتك على الأرض، امنحنى النعيم الأبدى الذى أتوق إليه بحرارة". لم أبكى عندما قرأت صلواتها، فقط شعرت أنها إجابة لسؤال يطوف فوقنا، ثم لمحت السقف الأزرق و نجومه الذهبية ونصف دائرة تستقر أسفله، ترشد الضالين إلى كوكب الأرض. هل كان ينقصنى سوى سؤال الصديقة أين اختفى الجميع وبقينا وحدنا حتى لا أستطيع تبيّن كلماتى،أو التحكم فى مجرى الدموع؟ منذ متى لم يكن بكائى مريحا هكذا؟ لا أدرى،أعلم فقط أنى أجر ورائى سلسلة طويلة،أسير فى طرقات عشوائية بحثا عن حلقة جديدة لها،أعلم أن الرب لن يمانع ان وجدتها فى حجرة الاعتراف، أو فى كلمات القديسة، أو بكيت على عتبة رسوله المخلّص، وتماديت فى سؤالى كى يحقق إرادتى على الأرض قبل أن أعود إلى السماء، وإن كانت الحياة هناك متاحة أكثر، فستنتهى الأسئلة، ولن أحتاج مثلا لسؤال رجل قبل أن أحبه: ما دينك؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق