السبت، 10 أكتوبر 2009

مفيش ابواب

من فترة ليست ببعيدة وأنا أعلم جيداً أن المرض سيداهم جسدى فى أية لحظة، تلك الانفلونزا اللعينة كانت تأتينى دائماً صريحة لا التواء فى طرق مهاجمتها، ولكن أكثر ما أشعره سخافة الآن أن المرض يتلاعب بى ..لا هو يتلاشى ويتركنى فى سلام ولا هى أعراضه تظهر عليّ رغم شعورى بالتعرض كل يوم لهجوم جديد بطىء يتلذذ بالتسحب إلى مسالكى الداخلية، ينتشر ويملؤنى بهدوء أشعر معه أن ثمة ما ينسحب منى أيضاً فى هدوء، كامن هو كان بين طياتى.. مكتوم لا يفصح عن صورته ولا يأبى الذهاب.

أتانى على استحياء عند ملامستى تغير صوتى واصابته بالحشرجة الدائمة..بحّة تمنعنى من التحدث بهدوء فلابد من صوت مرتفع مع التأكيد على كل كلمة كى يفهموا جيداً ما أعنيه..خشونة متصلة فى الأحبال الصوتية وتلاها نقص فى الأكسيجين لا تبشر بأى توازن على الإطلاق، سوء تنفس ليس إلا..شىء هلامى الملامح يتسلق أحبالى ويغلق المنافذ بين أنفى وصدرى..حاجز لم تُفد فى إذابته المشروبات الدافئة ( أعلم بوجودك أيها الكريه، لم لا تعلن عن نفسك بثقة يا جبان؟ ) لكن الجبان يظل جباناً، لم الإندهاش؟

هادئة أنا، أراقب تحركاته وأتيح له مساحة من الحرية الخادعة..ربما تمنيت من أعماقى لو يتمكن منى وأذوب مع ذوبانه فى مسراتى، بينما أتفاوض معه قبيل النوم ليترك لى الساعات المعدودة الآتية دون إزعاج ...أشك أنه فهم كلامى عكسياً فتكون ساعات نومى هى أكثر أوقاتى شعوراً باليقظة والتنبه، ويكون جسدى عند ضرورة نهوضى من الفراش كمن كان ساحة و مرتعاً لكل قطارات هيئة السكك الحديدية طيلة الليل.. ( خسيس أنت، تعلم أنك باصطياد نومى تضربنى فى مقتل تنهار معه دفاعتى الأخرى).

أقاوم رغماً عن ذلك إلى أن شعرت يوماً بذاك الوهن السىء..وجدتنى نائمة دون إدراكى لذلك فى بداية الأمر فقررت النوم مبكراً ..نمت ساعتين فقط واستيقظت ولم تزل بى بقايا إعياء...فضلت الإستحمام، وكتلك اللحظة المماثلة السابقة أتتنى أعراض الانسحاب عند وقوفى أمام مرآة الحمام لتمشيط شعرى.. أصابنى دفء الحمام باسترخاء شامل حد التهديد بالسقوط فى اللاوعى، استندت على حافة الحوض وأغمضت عينى لإزاحة كل الألوان المتداخلة أمامها حتى يبقى الأسود النقى الصريح..كم أحب الأسود الآن، أعلم أنه دليل على سلامتى و الأبيض يخيفنى..يقشعرنى إن رأيته، حينها أعلم أن ساعتى حانت لامحالة، أصبح مساوياً عندى للموت..والفراق..........هبقى كويسة..هبقى كويسة

تذكرت تلك المرة عندما أصابنى برد بالمعدة وحدث نفس السيناريو بالتقريب..نوم مريض.. حمام دافىء، ثم استلقاء على الحافة بين الواقع والحلم، بين كونى لا أعى ما يحدث حولى وكون العالم لا يعينى، بين افراغى لكل محتويات معدتى وبين افراغ روحى لما يحتويها من جسد.....هبقى كويسة..هبقى كويسة

أكملت تمشيط شعرى وعدت إلى غرفتى، للحظة ظننت أن المقاومة عبثاً لن تستمر وسأصرخ طالبة المساعدة...جلست على حافة السرير صامتة متنفسة بعمق..هبقى كويسة..هبقى كويسة، ذهبت للمطبخ لأعد كوباً من الحليب الدافىء محُلى بعسل النحل..خرجت به وتكورت داخل أحد المقاعد محتضنه إياه بكلتا يداى وأنا أرتشفه فى بطء....تذكرت أنه لم يكن يحب الأشياء الصريحة.. القهوة الصريحة.. الشاى الصريح..الحليب الصريح، يجب أن يكون الحليب ممزوجاً مع غيره وغيره ممزوجاً بالحليب..... تسآلت لما لا أشرب القهوة؟ أحب رائحتها لكنها قد لا تشبهنى فدائماً ما أتخيلها مع سيجارة مشتعلة ومطفأة ممتلئة..فكرت أن الكاكاو باللبن هو ما يلائمنى فهو الشىء الوحيد الذى لا أحب صراحته ، شعرت بقليل من التحسن عند انتهائى من الكوب ومن أفكارى الدافئة الممزوجة بنكهة القهوة والكاكاو ولون الشاى بالحليب البنى الشاحب.

أنا كويسة..أنا كويسة....لن أسمح للمرض بالتمكن منى الآن..لست وحيدة..سأعود للمطبخ.. أرتدى المريلة..أرتب الأطباق المتناثرة فى الحوض استعداداً للغسيل، أصطحب معى جهازى الموسيقى الصغير وينطلق صوت فيروز الملائكى و موسيقى الرحابنة..دائماً فيروز.. الآن هى فيروز..فقط فيروز، أستمع وأمارس عملى، بهدوء بانصات ويرتفع صوتى المبحوح بالغناء..الغناء يداوى علة الروح والعمل يتغلب على علة جسدى..........أنا كويسة .. أنا كويسة..شيئاً فشيئاً يزداد صمودى ومخزون اصطبارى ( عافرى عالصبر..عافرى لو كنتى لسة باقية عاللى فاضل فى روحك)

لم يبق إلا الشمس..ذهبت إليها بعد تلك الليلة الفيروزية، غمرتنى أثناء سيرى فى الطرقات بساعات الظهر الحارقة و استمتعت بها رغم لهيبها..رغم عرقى شعرت أن كل قطرة عرق تُخرج معها تباعاً جزء من جراثيمى وشوائبى، والشمس تغسل سراديبى الداخلية، تصلح كهربائها، تفتح نوافذها على العالم الخارجى من جديد

بشتقلك لا بقدر اشوفك ولا بقدر احكيك/ بندهلك خلف الطرقات وخلف الشبابيك*

تذكرت ذلك المشهد الأثير عند افتراش الأوراق الخضراء الفضاء فوق رأسى..اللون الأخضر المتشرب بالخيوط الذهبية الحانية....يا لها من راحة، وياله من حنين...هكذا نستطيع النوم دون خوف....كلما كنت أجلس على الكرسى تحتها ينخفض جزعى لأسفل فى استرخاء وتعود رأسى للخلف مستندة لظهره، أملأ عينى ووجهى قليلاً بتلعب الأصفر والأخضر وكأنى أحيى الشجرة وشمسها فى رد فعل تلقائى لا أتعمده...

يا زمان/ من عمر فَىّ العشب عالحيطان/ من قبل ماصار الشجر عالى**

هكذا كنت أستطيع النوم بثقة وأنا أتلمس عينيه تراقبانى حين جلوسى، تراقبا حركة جسدى حين استرخائه وتراقب عينى عند نظرها لأعلى، كنت أعلم أنه أصبح يتوقع تلك الفعلة كل مرة فتحاصرنى عيناه دون إزعاج لى، وتلازمنى استرخاءاً ورجوعاً للخلف وصعوداً لأعلى وأنا مبتسمة فى رضا...أحببت كيف يَشعرنى..كيف أترك لعينه المساحة دون احراج باعلانى كشفى المتخابث لمراقبته إياى......هكذا أستطيع النوم دون عبء بالمرض فأنا مرتاحة..مرتاحة جداً

نامى ولا تنامى يا صغيرة الربيع/ نامى بالسلامة قبل الدني ما تضيع***

أخذت حصتى من المضادات الحيوية وفى طريق العودة مررت بذلك المحل الشهير ولم أستطع التذكر جيداً متى كانت آخر مرة تناولت عنده الأيس كريم...خلفته ورائى دون أسف ولم يعنينى أن موسم البلح فى هذه الأيام وسأجد عنده نوعى المفضل بالتأكيد...تركته وذهبت فهناك العديد من الأشياء فقدت طعمها عند ممارستها على انفراد

موعدنا بكرة/ وشو اتأخر بكرة****

فى تلك اللحظة لم أشعر أن المرض يحضر لردة فعل عكسى وما ظننته شفاءاً كان استعداداً لهجوم مضاد...صامتة أنا..أراقبنى من بعيد..أدرك أنه يتابعنى ويرعانى من بعيد..كلانا يرى الآخر من بعيد..سئمت من تلك الاستغماية..سئمت من كل شىء..روحى مغلقة..نوافذى وأبوابى أُغلقت من جديد..هل الأفضل من مقاومة المرض مصالحته؟...إن كنت مصمماً على البقاء فامكث ما يحلو لك من وقت وخذ ما تشاء واذهب بعيداً...سمحت له إذن أن يغزو جسدى،أن يرينى نفسه بوضوح أكرم له من أن يلاعبنى من وراء ستائر وكفانى ولعاً بالحيل

يا ريتك مش رايح/ يا ريتك تبقى..تبقى عطول*****

وقضيت البارحة يا عزيزى فى صحبة السيد ليمون ورفيقته الأنسة جوافة..استسلمت لنعاس خفيف وأنا جالسة مكانى..ربما هى الهدنة إذن..دخلت الفراش مبكرة، أحكمت غطائى وضممت إلى صدرى لعبتى الفرو على هيئة خروف صغير مغلق العينين دائماً بابتسامة فيها وداعة وكأنه يقطن ملكوتاً آخراً...إنه الأمان..أن أحتضن كائن صغير ولو كان لعبة ويحتضنى غطاء دافىء.....وإن لم يكن أنت

خليك لا تروح مشتاقة لك / خليك كتير حبيت عينيك******

فى النوم وعبر الضفة الأخرى من عالمى تأتينى لتسألنى: ما وحشتيكيش؟

.....أكيد وحشتنى....لكن.........بس أنا عشت سنين طويلة من قبلك..وهعرف أعيش وقت طويل جاى من بعدك...كل الفرق إللى هيحصل إنى هبقى ما شية فى الشوارع وقاعدة فى الأماكن وأنا بتلفت حواليا من وقت للتانى وكأن فيه حاجة ضايعة منى..وكأن فيه حد أنا مستنياه...هقف فى الإشارة ومش هعدّى مستنية العربيات تقف براحتها واستغل الوقت فى اختزان الاتجاهات وأسامى الشوارع وأماكن الميادين وزخارف العمارات القديمة فوق منّى ..وهجرب مرة أركب الميكروباص بدل المترو علشان هشوف حاجات جديدة وأبقى قريبة من روايح الناس والدكاكين والقهاوى ومنظر النيل....و.....و........و.....و......

يضيع الصوت و رنينه الألى فى فراغ رمادى

يبان لى طريق طويل بلا بيك إنت*******

واستيقظت اليوم على اثر يد دافئة تلامس جبهتى و وجنتى..أفتح عينى ببطء لأجدها أمى تطمئن على حرارتى وتغادر فى هدوء..تمنيت لو توقظنى كل يوم هكذا....شعرت أنى فى حال أفضل، فى كل الأحوال سأتعافى من المرض ويأتينى غيره وسأتحايل معه وعليه كما أفعل هذه المرة..مادام هناك مزيداً من الأجسام المضادة ومزيداً من المناعة، فلا بأس بقليل من الإنهاك والتعب والألم

تذكرت المشهد الإفتتاحى لذلك الفيلم حين قامت بطلته من نومها مفزوعة فقد كانت تحلم أن بيتها فقد حجراته لأن ببساطة ليس به أبواب أو جدران

تذكرت أنى مؤخرأ أنتفض فزعاً كلما لامس أحد ما بيده كتفى أو ظهرى عند محادثتى أو عند إتيانى من خلفى

تذكرت أنى أيضاً كنت أحلم...رغبت فى البكاء...بحثت عن خروفى الصغير تحت الغطاء..ضممته باحكام هذه المرة وأغلقت عينى ثانية وأنا أحاول تذكر تلك السطور

أُرجح الاحتمالات الطيبة لكل السوء الذى حدث، المحبة خادعة، والحنان مشبوه..لكننى..رغم حدة الألم..سأستمر فى تصديق ما لا أراه********

أغانى فيروز بالترتيب

*حبيتك تنسيت النوم

** وحدن

***غيبى ولا تغيبى

****سألتك حبيبى

*****ما قدرت نسيت

******خليك بالبيت

******* مسك الليل لسعاد ماسى

******** من ديوان(شمس مؤقتة) لسوزان عليوان

الأحد، 5 يوليو 2009

معزوفة صامتة

باردة كالثلج تلك الليلة رغم قطرات العرق اللامعة على جبهته العالية..لم يحضر معه جهازه الموسيقى الصغير كعادته ولكنه بحاجة ماسّة إلى ذاك اللحن الآن..عندما تذكره افتقدها..يريدها ..يريد أن يجلس بجانبها صامتاً ..يرغب أن تعى انفجاره دون أن يتحدث..فيصرخ دون أن يعبأ.. يريدها بعنف.. لا يدرى لِمَ اختارها هى بالتحديد و لم يمنح نفسه الوقت للتفكير .. كل ما يعيه أنها هى من سيسقط على أكتافها كل معاناته ويتجرد من كل شوائبه أمامها..وما عليها إلا الإبتسام بسماحة والاستماع إليه حتى يغمض عينيه فى سبات عميق كالأطفال الأشقياء من كثرة التعب

يتدثر كفيّه العاريين فى جيبىّ بنطاله..تسرع خطواته الليلية المتأرجحة..أعلم أنه يغير وجهته ويذهب سيراً حيث تعود أن يجدهم ..فبعد أن أصابت الشيخوخة جدران البيت وماتت نباتات الظل أبَت الأشباح إلا أن تضفى بعض اللمسات الملونة على ديكور المنزل ودعته كل ليلة ليشاهد معها برنامجها المسائى..

أعلم أنها على الناحية الأخرى من الحياة تتقلب فى فراشها دون غطاء تستمع بغير توقف إلى صدى ذات اللحن وتشعره يَسْرى فى جسدها فيصيبها مسأً من خدر وتشم رائحة عرقه فتستلقى أخيراً على ظهرها وتزيح بتوتر مرتعش خصلات الشعر الملتصقة بوجهها .. تمرر يدها على رقبتها فتسمع نبضا خافتا على استحياء..تهاجمها برودة مفاجئة فتنقلب على بطنها عاصرة الوسادة أسفل منها...فيشعر هو بيد زرقاء تعتصر قلبه حين يطفىء جميع الأنوار ويغلق خلفه الباب عائدأً إلى الضفة الأخرى ..إلى جدران أخرى تصيبها الشروخ وينهمر منها مطر الشتاء

فى الصباح يجدها أمامه دونما اتفاق مسبق..ما عليه إلا الإبتسام خفية والصمت حين يرغب فى قول كم افتقدها دون أن يدرى.. وتدرى هى مقدار خوفها عليه..فتصمت هى الأخرى إزاء ما يمنحها وجوده من سكينة..يسيران تحت الشمس كتفاً بكتف وتتجنب النظرات التقاطع فى نقطة التقاء فبداخل كل منهما ما يكفى ويفيض..يخشى على عودها الهش من الإنقسام بين متاهاته وتشفق عليه منها وتشفق على نفسها من رغبته فى اقصائها عن الطريق...يتحدث وتنصت وتتحدث وأنا أستمع إلى ما يُقال بين ثنايا الحديث

أعلم أنه يخبرها الآن عن خوفه وارتعاش برودته وظمأه ويُتم نظراته التائهة بين البشر..أعلم أنها تخبره كيف أن فاقد الشىء هو الأكثر قدرة أن يعطيه..أراه يهز رأسه يميناً ويساراً ببطء ليتخلص من فكرة عابرة لا يبغى دخولها حيز التنفيذ وفى ذات اللحظة تتردد هى فى احتضان يده وتكره عجزها عن جذب رأسه إلى صدرها الصغير لتحكى له عن بياض الثلج والأقزام السبعة

يسألها عمّا بها فلا تجيب..يتركها تمضى ويعود إلى أشباحه وتلتجىء إلى فراشها المُجهد..أعلم رغبته فى القبض على ذراعها كى لا ترحل فيترجمها باختفائه سريعاً كى لا يضعف ..أعلم شوقها كل ليلة أن تستيقظ فتجد نفسها ناعسة بين ذراعيه ورأسها على كتفه وشعرها يفترش صدره ولكنها تتركه يتلاشى كى لا تتهور

يذهب إلى منزله ويسأل نفسه فى عتمة المساء متى سيكون له بيت... تذهب هى ولا تعرف متى تستطيع أن تصبح بيتاً له وكيف ستتمكن من بناء السقف إن رفض هو سند جدرانه..

كانت تسأل نفسها دوماً: مالذى يفعله حين يكون بمفرده؟...أعلم أنها ستكتشف ادراكها لوحدته الدائمة وأن أفضل ساعات ونسه حينما يصبح وحيداً....و أن ثمة طريقاً آخر يدعوها لعزف منفرد

الجمعة، 3 يوليو 2009

طاقة نور


يااااه لو الذاكرة تبقى بس مجرد شمس بتشرق و بيت على الرمل وبحر و جو مملحين*


حسين الحاج



الأحد، 28 يونيو 2009

جناحات ورق


عدّى قد ايه بس كل ما يفوت وقت الزمن يرجع لورا..الدنيا وكأنها لسة بنت امبارح ومحلات الورد علطول فيها ورد مع إن الربيع مابيجيش إلا مرة واحدة فى السنة..بس مين قال إن مفيش زهور مناسبة لكل وقت؟

بس السنة دى ماجاش أصله ما راحش أصل لما جه يمشى هو ماستناش....ضحكت...كانت أيام بنت مجانين صحيح...دايما كان يمشى فجأة ويرجع فجأة وأنا ما بين الانتظار والاستغراب وأشغل وقتى بتنفيض كل الآثار العالقة من الوقت إللى بيجمعنا من على ديل توبى

لا تترك شيئاً خلفك ولا تأخذ شيئاً معك..هذه هى القاعدة والذكريات فى الراس مش فى الكراس.....و مع لفّنا الأرض كانت بتلف وبتحدف يمين وشمال وبترمى فوق وتحت وتتدلق ميه من بحرها فى الفضا الواسع وبتتحرق على بابها نجوم وبتخرج منها آهات زى الفيضان بركان..لفّينا و دوخنا كتير وتوهنا جوه نفسنا اكتر ..بعدنا واحنا جنب بعض....

والأيام دى كان لازم تصبح تاريخ وأنا المعانى بتتسرسب من بين ايديا...هحكى إزاى عن كل إللى صار وهو لا باقى صورة ولا اغنية ولا كتاب ولا حتى جواب كلاسيكى مكتوب بخط الإيد

كنت عاملة حساب اليوم ده وبضحك دلوقتى من قلبى وأنا بلعب بالطيارة الورق فوق السطوح.. أصل عمرى ما كان عندى طيارة وعمرى ماكان عندى سطوح..ما هو كان لازم ييجى يوم نضحك فيه من غلب دى أيام

قعدت على سور السطوح ودلدلت رجليا للبراح..كتبت على ورقة بيضا سر جوايا وبعدين طويتها على شكل عصفور وطيرتها...سبح العصفور فى الهوا لغاية ما اختفى عن عينى .. وأنا ما بين الإنتظار والإنتظار..عارفة إنه هيرجع تانى فجأة.. أصلى بعته ينده للربيع ويجيبه معاه فى سكته ..والربيع زيك طايش مجنون..ما تعرفش بيختفى إزاى وبيرجع ليه وامتى؟؟

وأنا كل ما تعلى الطيارة الملونة فى الهوا أضحك وأعلى معاها أعلى.

الأحد، 7 يونيو 2009

لماذا لا ترتدين الإسبانيش؟

صراخ الأطفال صراخ الأطفال صراخ الأطفال

وهو واقف مكانه لا يتحرك

شجار النساء شجار النساء شجار النساء

وهو واقف مكانه لا يتحرك

الهواء يضيق الهواء يضيق الهواء يضيق

والباب مفتوح ومازال هو لا يتحرك

رنين الهاتف رنين الهاتف رنين الهاتف

ويدى فى مكانها لا تتحرك

فيه حاجة غلط بتحصل..........ده على أساس إن الصح كان موجود قبل كده؟

أُغلق الباب وسار من جديد..كان يجب أن أنزل المحطة المقبلة ولكنى واقفة مكانى لا اتحرك

كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام

(وحشتينى أوى ربنا ما يحرمنى منك)

ربما أنتِ من يجب أن أكون معها الآن

(وإنتى كمان بحبك أوى)

ربما شخص ما غيرك أنتِ هو من يجب أن يستمع لهذه الجملة

وبما افسر احساسى بالإطمئنان و أشعر بالإفتقاد الشديد حتى قبل الرحيل؟..لم أكن انظر خلفى من قبل ولكن ها أنا ألتفت لألتقط طرفا منه

كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام

نعم هناك شىء خاطىء يحدث..أن يكون الكلام حاجز بينكما يغلف صمتا عميقا بلفافة سميكة قد تخدع النظر ولكنها لا تقنع الإحساس

الألوان من حولى تصيبنى بالعمى ولكنها تبعث بداخلى الكثير من الأسئلة الوجودية قد لا تحتاج إجابة من الأصل

لماذا يصيب ألوانى الإكتئاب صيفا وشتاءاً؟ لماذا لا أرتدى الفوشيا ؟..مناسب لهذا الوقت من العام

لماذا لا تحمل جونلتى الدانتيل الملون والنقوش المتداخلة فى انفلات صريح لقوس قزح؟

(إنت ليه بطلتى تلبسى اسبانيش؟!!!!!)

سؤال كان يطرح نفسه على الساحة بقوة من قبل زميلاتى العزيزات..لم أجد إجابة لما بدا عليه السؤال من جدية ولكن بعد لحظة صمت: لأنى مش عايزة ألبسه دلوقتى

- ده إنتى شكلك فيه زى القمر والله جمالك بييان ساعتها.

- ماشى بس مش بحبه فى الصيف

- عادى ممكن تلبسى بادى كارينا!!!!!!

ونقاش لأكتر من ربع ساعة حول أهمية ارتدائى الإسبانيش

كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام كلام

ما زال صراخ النساء مستمر وحديث الأطفال لا ينقطع وأنا الصامتة الوحيدة لا أتحرك

ربما خُلقت لهذا اليوم لكى أسمع فقط...ليس عيباً ولكن لماذا لا أحاول سماع صوت صراخى من باب التغيير..فليخرس كل هذا العبث من حولى ولتصمت أنت أيضاً كفاك كلاما عن أى شىء آخر غير نفسك كفاك محاولات عبثية لمد الجسور المزينة بسدود ذات أبواب مغلقة

يتحرك ذلك الشىء العجوز الذى أركبه وعفاريت " لماذا " تقفز أمام وجهى فى كل اتجاه : لماذا لا أصرخ فقط؟ لماذا كل ما أفعله هو الصمت والإكتفاء بسؤال نفسى: لما لا تُقال الأشياء هكذا ببساطة ؟ لماذا لا ننادى بعضنا بأسمائنا كثيراً؟ لماذا لا نتكلم وإذا تكلمنا لا نقول ؟ لماذا نتكلم ونحن صامتين؟ لما لا يصبح الهلال مجرد هلال وليس جرم سماوى ناقص النمو؟ لما لا نستمتع بالمطر دون أن نحلل الماء لجزيئاته الأولية؟ ولماذا علينا معرفة تاريخ الشوارع قبل سيرنا فيها؟ لماذا نسافر خارج كل منا ونحلق بعيدا نراقبنا من فوق؟ لماذا لا نكون مجردين فقط هو وهى؟ لماذا لم تُحرق كل الكتب مع مكتبة الإسكندرية القديمة او يتم مثلا إغراقها فى النهر مع بقية مخطوطات مكتبة بغداد؟ لماذا فى النهاية أرغب فى تحمل كل ذلك ؟ لماذا أصر الآن على أن الهاتف ما زال يرن إلا أنه صامت كالجثة الهامدة دون حراك فى قاع حقيبتى؟

أدركت حينها انه لم يعد يفرق معى كثيرا اختبائى وراء الألوان القاتمة وأنه يوجد فقر شديد بحياتى فى نسبة الفوشيا والأصفر والأحمر..أدركت حينها أنى أريده كائنا مجردا فقط هو دون حقيبته التى يجرها ورائه ولتذهب كل السطور القيمة المبهرة بغير رجعة.. لتذهب كل المعانى المعقدة اللتى تحملها تلك السطور وتمتلىء بها حقيبته إلى الجحيم .. أدركت أنى كل ما أحتاجه إجابات بسيطة من داخله..كلام بسيط من داخله..سطوره هو حروفه هو ..فقط هو.

ربما يحتاج لأجازة طويلة..ربما أحتاج الذهاب بعيدا ..ربما نحتاج أنا وهى أن نكون معاً لا أحد سوانا.

ما زال ذاك الشىء الشىء العجوز يصارع من أجل المسير

كانت تقف بجوارى تتحدث بصوت منخفض فيه شىء من العصبية: لأ يبقى انت اتخنقت عشانه..انت اتخنقت عشانه.. لأ مش بيتهيألى.. لأ إنت إللى براحتك..طب مع السلامة

أغلقت الهاتف وألقت به فى حقيبتها كان على وجهها ملامح الإختناق وأكملت لصديقتها: انا رأيى هما الإتنين يولعوا بجاز ده هيوجع دماغ امى عشان ده وده واجع دماغ امى عشان التانى

وواصلت حديثها معها عما اشترته من ملابس جديدة وأخذت رأيها فى الإطار الجديد لنظارتها الطبية وكان يحمل لوناً زهريا فاتح.

ابتسمت...لقد القت الإثنان وراء ظهرها فى لحظة دون أن تعبأ..يا له من موقف حاسم أحييكى عليه

أخيرا جاءت محطة نزولى وكان علىّ أن أتحرك

فى اليوم التالى أخبرتها برغبتى فى تغيير فلسفتى فيما أرتديه من ملابس وأنى أود شراء شىء ما يحمل ألوانا صارخة..نقلت لى هى الأخرى رغبتها فى ذلك وكانت سعيدة لأننا كالعادة نفكر فى الشىء ذاته بنفس الوقت وبنفس التفاصيل وتقريبا بنفس الدوافع.

سألتها وقد ارتسمت على وجهى ملامح الجدية: تفتكرى إيه هى أزمة الفتاة الشرقية المعاصرة؟

مطت شفتيها وهى تفكر قليلاً فالسؤال إذا يحتاج لنقاش طويل: يعنى فيه حاجات كتير أوى بتمثل أزمة للفتاة الشرقية، إنتى عايزة تتكلمى فى أنهى نقطة بالظبط؟

- لأ أنا شايفة أزمتها تتلخص كلها فى نقطة واحدة بس

نظرت إلىّ فى فضول متسائلة: وإيه هى؟

أكملت بنفس الجدية: أنها لا ترتدى الإسبانيش

التفت إليها وهى صامتة تحاول أن تدرك مالذى أصابنى..طوّق ذراعى كتفيها وضممتها إلىّ برفق قائلة بابتسامة هادئة: ولا يهمك..أهم حاجة إننا مع بعض دلوقتى

مرت لحظة صمت وكل منا تنظر إلى الأخرى ثم همست هى: أنها لا ترتدى الإسبانيش

وانطلقت ضحكاتنا ترج زوايا المكان حتى دمعت عيناى

كل الحكى حلو ومع إنه حلو

ليش بيضلٌه إحساسى يقللى لأ

فى شىء بدّو يصير

فى شىء عم بيصير*

* من أغنية فيروز: تسأل علىّ

الجمعة، 5 يونيو 2009

تعريف موازى

الكل يسير فى دائرة مفرغة يا عزيزى لا يعلم متى وأين سوف يتوقف

أمى تدخل صراعا أزلياً مع ذرة تراب..تقصيها عن الطاولة..تبعد وتحلق وتدور فى حلقات لولبية مع الهواء وتحط ثانية على المقعد..تقصيها ثانية لتجدها على الفراش..تنام بجانبها على الوسادة لتتحول وحشا مفزعا فى منامها ..تصحو لتجدها تكاثرت واستنسخت من ذاتها الآلاف التى تغطى كل ركن فى البيت..تأسف لما بذلته من جهد ضائع فى التنظيف اليوم الفائت لكنها لا تمل أبدا من الحرب الدائرة بينها وبين ذرة التراب

أتسائل أحيانا: عندما نتحول أنا وأمى أيضا إلى تراب أسيٌبعث بشر آخرون يطاردوننا فى كل مكان ويتم محونا من على وجه الأرض وكأنها لم تكن حياة؟!!!!