قاعدين مستنيين المترو، و المحطة تقريبا فاضية، المترو على رصيفهم اتأخر، ماكانش بييجى بانتظام إلا عالرصيف التانى، وهما قاعدين ساكتين، بمعنى أصح هو يقول جملة عن أى حاجة ويسكت شوية، وبعدين يرجع يسألها ايه رأيها فى اليوم، فترد عليه وتسكت وهو يرجع يسكت تانى، وهى معندهاش أى نوايا للمبادرة بفتح أى باب للحديث. بعد شوية يعدّى مترو جديد عالرصيف الناحية التانية، من المتروهات الملزوق عليها الإعلانات اياها، والمرة دى إعلان نوكيا، "أختار العيلة، أختار نوكيا، أختار التواصل، أختار نوكيا ..."
فجأة تتكلم وتقوله: انا بحب إعلانات نوكيا دى أوى فيها تفكير، "حاسس انك لوحدك، على الأقل فى اتنين غيرك بيبصوا ع الاعلان ده، دور عليهم"
تبصله وهى بتضحك، فيبتسم ويقولها "ده صحيح، أنا كمان فاكر الإعلان ده وكنت بحبه"
"أنا فاكرة إن أول مرة أشوفه كنت لسة فى ثانوى، وأنا راجعة من الدرس ومستنية المترو كان بيبقى متعلق عالمحطة، لفت نظرى أوى وكنت أفضل باصة عليه لحد ما المترو ييجى واركب .... تصدق انا فى مرة حاولت أدور إذا كان فيه حد حواليا بيبص عليه هو راخر وللا لأ"
"ولقيتى؟"
"لقيت ان الناس تقريبا فقدت القدرة على التأمل، ماكنش فيه حد غيرى واخد باله من الإعلان"
يبصلها وهو ساكت وعلى شفايفه ابتسامة واسعة، فتبصله وتبتسم هى كمان وترجع تبص فى ساعتها وتبص على يمينها مستنية المترو اللى مش عايز ييجى
"بتقولى كنتِ فى ثانوى ساعتها"
"أه"
"أصل أنا برضه كنت فى ثانوية عامة"
"أيوة ماحنا تقريبا فى سن بعض"
"تعرفى انه أنا كمان ساعات كنت بحاول أشوف مين غيرى بيتفرج ع الإعلان"
"أتمنى ان حظك كان أحسن من حظى شوية"
"يعنى مش أوى، متهيألى ان معظم الناس ماكنتش بتشوف فيه أكتر من مجرد إعلان متعلق على محطة، زيه زى بقية الإعلانات التانية، وبعدين هتلاقى اللى مستعجل عايز يروح شغله، اللى قرفان من شغله عايز يروّح البيت بسرعة ياكل ويستريح، كده يعنى"
تضحك المرة دى بصوت عالى وهى بتقول: "أه، أو طلبة المدارس والجامعات بقى، كل واحد أو واحدة ماسكين ودن التانى وهاتك يا رغى فى حاجات تفطس م الضحك"
"حاجات كويسة يعنى؟"
"لأ حاجات هبلة أكيد"
تسكت شوية وبعدين تقوله وهى سرحانة: " زى مايكون كنا أكبر من سننا ساعتها، أو من وقتنا عموما"
"أو كنا على مشارف اكتئاب مبكر؟"
"أو كان فيه هموم وقتها هى اللى أكبر من سننا الصغير، فماكنش فيه مساحة كافية نستمتع بالحاجات البسيطة والعادية زى بقية الناس اللى حوالينا؟"
يضحك بتوتر ويقولها: "الاحتمالات كتير، كله وارد"
تهز راسها وهى ساكتة، وهو يبص فى ساعته ويكتشف ان المترو بقاله أكتر من نص ساعة متأخر، ومع ذلك الناس على المحطة برضه مش كتير.
تقوله وهى باصة ناحية اليمين: " جو الشتا السنة دى مخلّى الناس كمشانة فى بيوتها، تقريبا احنا وحدينا المجانين اللى فكروا يخرجوا فى يوم زى ده" وبعدين تبص فوق "المحلات والشوارع فوقينا زمانها بقت مهوية عالآخر هى كمان"
تلاقيه مابيردش، فتلتفت ناحيته وتسأله: "سرحت فى ايه؟؟"
"أبدا، يمكن فى كلامك ان الناس فقدت قدرتها على التأمل؟"
تبصله بنظرة استفهام فيكمل: "مش يمكن المشكلة ماكنتش فى الناس وكانت فينا احنا فعلا؟"
" إزاى يعنى؟"
يهز كتافه ويجاوبها: "ان كل واحد مننا مثلا كان موجود فى مكان مش بتاعه"
تبتسم وهى بتنطق الحروف براحة: "كله وارد"
يهز راسه، وهى تسكت شوية وترجع تكمل: " بس احنا لسة مكتشفين ده، مش احتمال وارد برضه انه لما كذا سنة تعدى علينا هنكتشف ان الوقت والمكان اللى احنا فيه دلوقتى كان مش بتاعنا؟"
لسة هيجاوب عليها، لكن يلاقوا المترو داخل المحطة وصوت دوشته و دوشة صفارات الإنذار سابقاه، يقف وابوابه تنفتح وناس كتير تنزل منه، وهما لسة قاعدين مترددين بسبب الزحمة والناس الأكتر اللى لسة موجودة جواه.
تسأله: "انت ناوى تركب المترو ده؟"
" أنا بقول نستنى اللى بعده، هو أكيد هييجى بسرعة وهيكون أروق شوية، ان شاء الله يعنى .... بس لو انتى هتتأخرى أهو لسة واقف وماقفلش"
" لأ مش مشكلة نستنى، لسنا قدامنا وقت"
تدوّر وشها و تفضل باصة ناحية اليمين ورجليها بتخبّط بشويش على الأرض، وهو يبص قدامه وكأنه سرحان، زحمة الناس اللى نزلت بتخف شوية بشوية
تسمعه فجأة بيقول: "انتِ كنتِ واحشانى جدا على فكرة .... بشكل سىء ....."
تتلفت فى بطء شديد وكأنها بتحاول تستوعب اللى سمعته، تلاقيه هو كمان مدوّر وشه عنها زى مايكون مخبّى تعبير مش عايزها تشوفه. تبتسم ابتسامة حزينة ومهاش عارفة ترد تقوله ايه بالظبط، ففضّلت تسكت لحد ماتشوف هيحصل ايه
يرجع يبص قدامه وهو بيقول بصوت واطى: " أعتقد ان هو ده أكبر غلط كان حاصل."
بتبصله وهى لسة ساكتة وبتفكر إن دى أول مرة تحس فيها قد ايه هى مرتاحة أوى كده من ساعة ما اليوم ده بدأ، لدرجة انها ماركزتش مع المترو اللى كان قفل ومشى، والمترو اللى جه بعده بثوانى وهو فاضى وقفل برضه ومشى. يبصلها وهو مستنى يشوف أى رد فعل، فتقوله وهى لسة محافظة على ابتسامتها: "يومنا النهاردة كان حلو أوى، أنا حبيته حقيقى"
يخرّج نَفَس كان متكوم جوه صدره ويحاول يبتسم، و يسمعوا صفارات الانذار ترن تانى فى المحطة ويدخل المترو، فيقرروا يركبوا المرة دى.
أبوابه تتقفل عليهم ويمشى، و ترجع المحطة هادية تانى، والسكوت يرجع يلف حوالين المكان من جديد
ازيك يانهى
ردحذفبحب جداً أسلوبك فى الحكى ،،، بيحسسنى بالبيت ،،، الكيان اللى مبقاش موجود
أبطال المشهد بيشبهونى فى مرحلة فاتت ،،، محتاجينن يفتحوا شبابيكهم للعالم أكتر من كده من غير قلق و لا خوف ،،، مش كافى بس اننا نتفرج على الناس و احنا متقوقعين لأن فايدة الناس حتى اللى بيحبونا جداً مبتحصلش الا لما يفهمونا كويس
تسلم الأيادى