السبت، 13 مارس 2010

هذا هو كل شىء

أمتلىء رغبة فى الحكى عن كل شىء وأى شىء

أسرح قليلا فى تفاصيل هذه الحجرة

أحدث نفسى: إنه لم ير يومها الجانب الآخر من هذا البيت


لا يهم البناء هذه المرة، لا يهم الترابط بين الأفكار والبحث عن لغة جديدة

المهم ما أتذكره دائما عن عدم خوفى مما أكتبه

يتصاعد صدى أفكارى

إنه حقا لم ير الجانب الآخر من هذا البيت


فى هذه الحجرة

أشيائى الصغيرة تعرفنى، وفى مكتبتى ترقد بقايا من أشلائى

فى مكتبتى إنسانة لم تدرك نفسها بعد

تعرف هدفا ولكنها لا تملك خطة

أنتشلها من الفقدان ومن خطر أنها عديمة الأهمية لأحد

أجمعها لأصنع هويتى، أو أثبتها

أقصد أشيائى الصغيرة


أربعة أرفف، أنقسم بينها دونما اتفاق

علبة هدايا صغيرة بداخلها وضعت سلسلتى الفضية

هديتى القديمة من أبى

مقرها الأخير بعد أن توقفت عن ارتدائها

بعد أن توقفت عن رؤيته


ميدالية على هيئة دب صغير، وردى اللون له جناحان

وردة ذابلة مازالت تحتفظ برائحتها

كأس ذابل كان فيما مضى رحم زهرة قرنفل أبيض

بذرة ذابلة منشقة لنصفين وتعود لثمرة أفوكادو

كانت أكبر من ذلك، بيضاء وناعمة الملمس

ولكنها الآن سمراء ذات تعرجات وتجاعيد، ورائحتها أشهى بكثير

أصداف صغيرة متناثرة فى عشوائية أتت من البحر

وأخرى كبيرة عشّقتها الواحدة فى الأخرى

ربما صنعت فى النهاية مركبا

كتب قرأتها وأخرى أخشى الاقتراب منها

تنتشر بينها المزيد من الأصداف، و أوراق شجر صفراء

إحداهن اتخذت شكل طائر أتخيله يجلس ربما على صفحة جدول مياه هادئ

أستطيع تمييز ذيله وعنقه الطويل المحنى فى دلال


سبحة زرقاء اللون وسورة الفاتحة

ألوان الشمع المهجورة منذ زمن

مجلد يضم أعمال أحد الكتاب القدامى

تخلصت أمى منه دون أن أعلم

قرأته أول مرة بالمرحلة الإعدادية

وجدته صدفة يوما ما فى مكتبة عتيقة دون أن أنوى البحث عنه


صورة لى أريد التخلص منها

جرائد ومجلات باللغة الألمانية

أجمعها واحدة فوق الأخرى على أمل قرائتها فى يوم ما


الأعمال الكاملة لكاتب شاب مات قبل الثلاثين

حين انتهيت من قرائتها أصبت بالجنون

ربما لأنى أدركت فى لحظة ما أن العمر قد ينقضى فجأة

دون أن نملك فرصة للتخلص من صمتنا

أو نشيخ ويتحكم فينا النسيان

نضيع ونغوص فى مزيد من اللهث داخل مزيد من المتاهات

مزيد من الحمق والعند مع أنفسنا

مزيد من الخوف والبحث عن ما يفتقده كلا منا عند الآخر


بالرف الأخير تحجز هديته الأولى مكانا فى الذاكرة

وضعت بجوارها قنينة عطر صغيرة للغاية برائحة الفانيليا

بين حين وآخر أضع قطرة منها على راحة يدى وأفركها جيدا مع اليد الأخرى

تتشبع ذرات الهواء بها، وتنزعج أمى منها بشدة

وكل ما يعنينى أن أنشر رائحة الذكرى فى كل أرجاء المكان


أصبحت أخشى الإقتراب من هذا الحيز

يبدو أن حاجزا نفسيا أقامه أحدهم بينى وبين ما يحويه ذلك الرف

شعور مسلم به ترسخ فى ذهنى

أنى لن أستطيع فهم أى سطر من تلك السطور المرصوصة بجوار بعضها البعض

لن تسمح لى أن أعيها

ربما لا تريدنى الآن

ربما أصبحت ترفضنى


أعود لتأمل تفاصيل مكتبتى مجددا

أجدنى قد غفلت عن أقلامى الفارغة بعد إنهاكها فى الكتابة

والمليئة فى انتظار المزيد

غفلت أيضا عن الجزء المخصص لأبحاثى الدراسية

ما قمت بانجازه خلال السنوات الماضية

أتسائل كيف فعلت هذا

كيف كتبت كل تلك الأوراق بهذه الدقة يوما ما


أعود لأفكر

ربما كل هذه الأشياء الصغيرة مجتمعة تمثل معنا هاما

تعطى بُعدا آخر لحياتى

تضفى عليها لونا ومذاقا خاصا

هوية

تحمل مزيجا من الإنجازات والإخفاقات

السكون للأبد

رغبة الطيران الأبدية

لا مانع من تذوق بعضا من الطعم اللاذع بها على سبيل الإثارة

بما فى ذلك طعم الذاكرة ، والنسيان

والرفض


إنه لم ير بالفعل الجانب الآخر من هذا البيت

وهذا هو كل شىء

هناك تعليقان (2):

  1. يا ربي ، متبطليش حكي يا نهى، متبطليش إفراغ الأقلام في الكتابة عن الذكريات اللي حصلت والأحلام اللي لسه هتتحقق

    تدوينة حلوة أوي ، وفيها حس شجن وجع قلبي لسبب معرفوش

    كملي حكي بقى ، بقالك كتير محكتيش
    :)

    ردحذف